استضافت البارحة قناة S24 ثلاثة رجال رابعهم امرأة في برنامج تقدمه الإعلامية (تقى كمال) تتناول فيه سيرة المدعو محمود محمد طه باعتباره ملهم الإنسانية من خلال حزبه وفكره الجمهوري كما تدعي.
إن كانت هذه القناة لها أدنى تقدير واحترام لمشاهدها لما قدمت له هذه المواضيع من خلال هذه النوعية من البرامج.
إن كانت هذه القناة لها أدنى تقدير لعقلية المشاهد لما طرحت له مثل هذه البرامج.
الفكر الحقيقي لا يتاورى أمدا من الزمان ثم يظهر.
الفكر الحقيقي يظل حيا وموجودا سواء عاش رموزه أو قتلوا.
الفكر الحقيقي يفرض نفسه بحيث لا أحد يستطيع أن ينكره أو يرفضه.
أما الفكر المختلف حوله.
الفكر الذي لا يقول أحد بأنه مجمع على مفاهيمه.
فإن غاية ما كانت تتعامل معه هذه القناة إن كانت فعلا تحترم مشاهدها هي أن ترفع هذا الفكر إلى مرحلة التقييم.
بمعنى أن تطرح فكر المدعو محمود محمد طه باعتباره ظاهرة ينبغي دراستها وتحليلها من خلال استضافة عدة تجاهات:
تجاه نظرته داعمة وموالية له كمثل هؤلاء الضيوف الذين استضافهم البرنامج.
على أن تضيف ضيوف على هؤلاء على النقيض يكشفون كذلك نظرتهم لهذا الفكر.
وتستضيف تجاه ثالث على أن تكون نظرته تحليلية نقدية بحتة.
هذا إن كانت تهدف القناة إلى تقديم ما هو مفيد وقيم للمشاهد.
ثم بعد ذلك تترك الحكم للمشاهد يتبنى أي وجهة يرى حسب ما قدمت له من تجاهات لهذا الفكر هذا إن كان هذا المشاهد في نظر القناة يفهم ويستوعب.
أما أن تقتصر الحلقة على مؤيدي ومؤمني فكر تثار حوله كمية من اللغط والاستفسارات والتساؤلات، لتجبر المشاهد على أن يسلم ما جاء به، وعلى أن يحترمه فهذا هو الطغيان بعينه، فهو أسلوب يشبه إلى من يجبر أناسا على مائدة تقدم له.
إن هؤلاء المدعويين في هذا البرنامج هم أنفسهم من كان يعتقد بالفكر الجمهوري قبل وبعد إعدام الرجل، فما الجديد في ذلك؟
ففكر الرجل مهما تم الدفاع عنه، فهو ليس قرآنا يتلى ولا كتابا مقدسا.
وبالتالي على أعلى تقدير لهذا الفكر، فهو يدخل تحت دائرة القبول والرفض، وبالتالي يقدم للمشاهد من هذا المنطلق.
لا يقدم له على أن يقبله بأنه خير محض.
من أين جاء هذا الخير المحض؟
من منتسبيه؟
وهل أحد ينتسب لفكر سيقلل من شأنه؟
اي إعلام هذا الذي يقدم للناس؟
هل هو إعلام يخدم جهات معينة؟
هل هو إعلام يريد أن يسد فراغه والسلام؟
أم أنه إعلام يحمل رسالة لمشاهد حصيف له عقل يميز به؟
والغريب والعجيب في نهاية الحلقة تحدث ضيوفها على أن هذا الفكر يدعو للسلام.
حينما يعرض فكر مختلف حول صحته على منبر إعلامي على أنه خير لا جدال فيه.
خير ينافي معتقد وقناعات الآخرين.
فإن هذا يا إعلام الهنا يعني إشعال الحرب.
حينما ترغم المشاهد على قبول فكر رغم أنفه، وذلك من خلال تقديم من يؤمن ويعتقد به فقط، فهذه دعوة مباشرة للرفض لا للقبول.
وبالتالي دعوة مباشرة للحرب لا للسلم.
اترك المشاهد عميلك الذي أنشأت القناة من أجله أن يختار فكره.
اترك المشاهد أن يسمع الفكر والفكر الآخر.
اترك للمشاهد أن يقيم التجربة من خلال ما يقدم لها من تحليل ونقد.
من خلال من يقبلها ويرفضها.
أما أن تستضيف القناة أصحاب التجربة؛ ليقولوا للمشاهد لا يوجد أفضل من هذه التجربة، فهذا ليس استخفاف فقط بالمشاهد بل فيه تعبئة واستعداء وإحياء للعداء والانتقام لدى المشاهد بما لا يخفى
صحيفة الانتباهة