زرت قبل أيام مستشفى التميز للطوارئ والإصابات بمنطقة الامتداد بالخرطوم، لزيارة زميل تعرض لحادث مروري وتم إسعافه إلى هناك.
فور دخولي اندهشت لحالة المستشفى والتردي الذي وصلت إليه، حيث أنني زرتها في وقت سابق، كانت فيه قبلة لمعظم أهل الخرطوم والولايات بسبب الرعاية والاهتمام والنظافة، وتوفر أحدث المعامل والأجهزة الطبية، والأسعار الرمزية، وقد تصل إلى المجان في كثير من الأحيان.
سألت أحد الكوادر الطبية عن سبب التدهور، فقال لي: (دي السياسة)، اندهشت لرده، قبل أن أنطق بأي كلمة قال لي إن مستشفى التميز دخلت دائرة الصراع السياسي بعد سقوط النظام السابق، وكانت تتبع لجامعة العلوم الطبية التي يرأس مجلس إدارتها مأمون حميدة وزير الصحة السابق، وحينما انتصرت الثورة، وضعت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو المجمدة يدها على المستشفى، ودخلت بعدها المستشفى غرفة الإنعاش، بل وماتت سريرياً ولكن كتب لها الحياة مجدداً.
عرفت بعد ذلك أنه تم تعيين مدير للمستشفى يمكن تسميته بالطبيب الناشط، لأنه لا علاقة له بطب الطوارئ لأنه خلال فترة وجيزة أصبحت المستشفى أطلالاً، عنابر دون سراير، وغرف عمليات دون أجهزة، واستطاع ذلك الطبيب تشريد أكفأ الأطباء والممرضين من المستشفى بسوء إدارته، فضلاً عن عدم اهتمام وزارة الصحة بالمستشفى، بعد أن رفع مأمون حميدة يده من الدعم باعتبار أن المستشفى تتبع لجامعته، فتم إغلاق المستشفى، فكان أكثر المتضررين سكان جنوب الخرطوم.
بغض النظر عن تبعية المستشفى لمأمون حميدة من عدمه، كان على السلطات أن لا تترك أمر المستشفى للتقاطعات السياسية والتشفي، فإن كان مأمون حميدة يدير المستشفى بهواه وبعيداً عن القانون واللوائح التي تحكم عمل المستشفيات ليذهب مأمون وتبقى المستشفى، لأن مأمون لا يتضرر، وإنما المواطن هو من يتضرر.
طفت على أجزاء واسعة من المستشفى التي بدأت تسترد عافيتها شيئاً فشيئاً، بإجراء بعض الإصلاحات والصيانات، وعرفت أن المدير الجديد د. الفاتح وراق مهتم بإعادة المستشفى لسيرتها الأولى من خلال استقطاب الدعم، ودعمه للكوادر الطبية العاملة.
أسوأ ما في الأمر أن يتم خلط قضايا المواطنين المتعلقة بتقديم الخدمات بالسياسة، على القائمين على أمر البلاد أن يتعاركوا بعيداً عن المواطن وقضاياه، فالمريض لا يفرق بين زير الصحة أو مدير المستشفى، فقط يود أن يجد الرعاية الصحية والدواء.
نأمل من كل الخيرين والمتهمين بمجال الصحة مد يدهم لمستشفى التميز، ودعم د. وراق حتى يقوم بدوره من أجل المرضى.
صحيفة اليوم التالي