كل اللقاءات التي عقدها المبعوثون الدوليون في الخرطوم كانت تمجيداً وتثبيتاً للاتفاق الاطاري، وربما دخل لافروف في ذات الخط مناصراً الجنرال (حميدتي) الذي يرى في الاطاري المخرج الوحيد من الازمات الراهنة، بل إن قائد الدعم السريع تولى مهمة التزيين والتجميل للاتفاق، وأصبح أكثر مساندةً له من أحزاب مركزي التغيير نفسها.. نعم كل الوفود الغربية الزائرة أوصلت هذه الرسالة للمكون العسكري، وتأكيدها أن الاتفاق الاطاري هو الأساس للوصول الى توافق حول تشكيل الحكومة الانتقالية عن طريق توسيع دائرة المشاركة، وربما كان الزائر الوحيد الذي لم يتحدث عن الاطاري هو الوفد الإسرائيلي بقيادة كوهين، والذي التقى القيادة العسكرية بعيداً عن تقاطعات الاطاري أو التفاعلات السياسية الداخلية.. لأن هدفه واحد وهو بداية خطوات التطبيع.
احتفت قوى التغيير المجلس المركزي ايما احتفاء بزيارات المبعوثين الدوليين التي اعتبروها (المركب) الذي سيحملهم على (بحر الاطاري) المتلاطم الأمواج.. واعتمدوا على الدعم و (الضغط الغربي) ليحملهم الى كراسي السلطة، رغم علمهم بأن الاطاري لا يمثل سوى أقلية جاءت مدعومة بأفكار فولكر وجماعته، ورغم علمهم بأن الاطاري تعارضه قوى معتبرة وترفضه وهي قوى لا يستهان بها.. وقد نجحت في عقد لقاءات القاهرة، وخرجت ببيان ختامي وتوصيات ينظر لها كثيرون على أنها رؤية موازية إن لم تكن متقدمة على الاتفاق الاطاري.. واعلنت قيادات بارزة في لقاءات القاهرة أنهم سيقدمون رؤيتهم للجانب العسكري باعتبار أن تكتلهم أصبح (حائطاً ضخماً) ضد تنفيذ الاتفاق الاطاري.
اكبر اعتقاد خاطئ ظل يمسك به مركزي التغيير هو الاعتماد على الاجنبي، وظنوا أن الاستقواء بالضغط الدولي كفيل بأن يحملهم الى كراسة السلطة.. وفي ظني أن خطل هذا الفهم يتمحور في (الاستقواء) بالاجنبي نفسه الذي ينظر إليه السودانيون على انه (انقياد) مذل ينتقص من النزعة الوطنية ويمرمغها في التراب، بينما ينظر إليه قادة مركزي التغيير على أنه إحراز (نقطة) متقدمة في مرمى الخصم، وذلك زعم خاطئ بسبب ما يلاقيه الاتفاق اليوم من رفض.
الحلول ــ في ظني ــ التي يترقبها العقلاء من أبناء السودان هي ذات طريقين لا ثالث لهما.. وسواهما يقود الى الفتن والتشظي، والطريقان هما إما أن يقبل الجميع بالمبادرة المصرية لأنها ليست مغلقة ليصل الناس الى تفاهمات ومن ثم تشكيل حكومة.. أو أن يقبل عتاة مركزي التغيير بالآخرين ويفتحوا لهم الاتفاق (المغلق) دون التعذر بمصطلحات الاغراق أو أن الاتفاق حدد أطرافه مسبقاً.. وبغير هذين الطريقين لا يوجد باب ثالث سوى الارتضاء بالانتخابات حلاً جذرياً لازماتهم، وهذا لن يحدث لأن الجميع خائفون منها ومن صندوق الناخبين.
لا سبيل أمام عتاة قادة المركزي سوى القبول المطلق بالآخرين دون الركون الى الاقصاء والتشفي السياسي الذي لن يقود الا للمزيد من الاحتقان.. وكذلك لا سبيل سوى ان تلتقي المبادرة المصرية مع الاطاري في المشتركات الوطنية.
صحيفة الانتباهة