كان فيلماً قديماً..
قديماً جداً؛ ويعود إلى حقبة الستينيات من القرن الماضي..
ويحكي عن زيارة عبود إلى لندن..
وبدا لي كأنه كان تقريراً إخبارياً للتلفزيون البريطاني..
وشد انتباهي فيه مقابلة الملكة لعبود بمحطة القطار..
فالملكة إليزابيث معروف عنها عدم مقابلة الرؤساء بنفسها..
عدم مقابلتهم خارج محيط قصرها إلا نادراً..
ومن اللحظات النادرة هذه خروجها لمقابلة إبراهيم عبود..
ثم التجول معه بمركبات ملكية تجرها الخيول..
والحشود الخرافية تهتف… وتصرخ… وتلوح بالمناديل..
وكالعادة لا تترك إليزابيث زوجها – دوق أدنبره – خلفها أبداً..
ليس خشية أن (يلعب بذيله) مع حسناوات باكينغهام..
وإنما تقيداً بقواعد البروتوكول الإنجليزي الصارم..
ومارغريت كانت تفعل الشيء ذاته طيلة فترة رئاستها..
ما كانت تغادر بلادها إلا وزوجها – رجل الأعمال – تاتشر برفقتها..
فالمرأة الغربية يسقط عنها اسم أبيها فور زواجها..
ولا تنتسب – اسماً – إلا لزوجها؛ ولو كانت (المرأة الحديدية) نفسها..
وجندريات بلادنا لا أدري ما رأيهن في ذلك..
وأعني – تحديداً – المعجبات بالتحرر النسوي الغربي منهن..
أن يُقال الناشطة في مجال المرأة فلانة عباس..
ويكون عباس هذا اسم زوجها لا أبيها..
فهل سترضى بذلك؟… أم ستقول إنّه تنمُّرٌ ذُكوريٌّ؟..
والمرأة الإنجليزية – بالذات – مهما تحرّرت لا تنفصم عن تقاليد بلادها..
ولو كانت ملكة… أو أميرة… أو رئيسة وزراء..
المهم أن إليزابيث كانت سعيدة وزوجها فيليب بجوارها..
وسعيدة أيضاً وهي تستقبل رئيس بلادنا الأسبق..
وسعيد أنا وممثلنا الضيف يبدو رزيناً… رصيناً… (تقيلاً)..
حتى وإن كنت أبغض نظامه الدكتاتوري..
وكأن التي تستقبله هي ملكة الدلوكة خدوم – بمنطقتنا – لا ملكة بريطانيا..
ولكن حدث شيء غريب أثناء مشاهدتي الفيلم..
قبل بلوغ الملكة وضيفها قصر باكينغهام..
لقد توقفت الجياد الملكية المطهمة فجأة؛ ليرتبك الركب كله..
واتجهت الكاميرا إلى حيث الزحام وراء السياج..
واستقرت على بؤرة بعينها تعج بالنساء..
فإذا بالضيف – الفريق عبود – هو من تسبّب في هذه الربكة..
ووقف أمام إنجليزية مسنة يحييها بحرارة..
وتقابل هي تحيته بفرحة هستيرية؛ ويداها ممدودتان نحوه..
والملكة – وزوجها – ينظران إليهما بحيرة شديدة..
وكذلك أفراد الأمن… والمراسم… والقصر… الحكومة… وحتى الخيول..
وتمنيت أن أعرف من هذه المرأة التي استرعت انتباهه..
ولماذا خصها بتحية حميمة دون الباقين؟..
وكيف وقع بصره عليها أصلاً من بين هذه الجموع الغفيرة؟..
أم تراها هي التي نادته باسمه فالتفت نحوها؟..
وإن كان الأمر كذلك فمن تكون إذن؟..
لعلها استضافته بدارها خلال وجودٍ سابق له بالمملكة؛ ثم غادرها طوعاً..
بمثلما كنا استضفناه نحن هنا بقصرنا حيناً..
بيد أنه لم يغادره – ويغادرنا – طوعاً..
وإنما كرهاً!.
صحيفة الصيحة