“دع قمصيك للذئب كي تنتهي عارياً مثلما كنت واهبط إلى آخر البئر كي تستحق جمالك”.. شوقي بزيع..!
(1)
قبل سنواتٍ، قرأت مقالاً لأحد كُتّاب صحيفة “الجارديان” البريطانية، تناول فيه استباحة مجلة “فانيتي فير” الأمريكية ذائعة الصيت لخصوصية مخرج هوليوودي شهير تمت إدانته بجريمة أخلاقية قبل سنوات من خُضوعه – من جديد – لمحاكمة قوامها تهمة شبيهة بسابقته تلك، لم يكن قد صدر حكمٌ قضائيٌّ بشأنها. وعليه فقد استنكر كاتب المقال استباحة المجلة لخُصُوصية الرجل بانتهاجها نشراً لمعلومات خاصّة تضر بسمعة متهم لم تثبت إدانته مدافعاً عن عدم المساس بحق الرجل القانوني والإنساني بناءً على صورة ذهنية تشكّلت وفقاً لإدانة سابقة له في ذات السياق. قراءتي لذلك المقال تزامنت – وقتها – مع أوار معركة أدبية شهيرة اندلعت بين كاتبين سودانيين شهيرين، وقد كان البعض يرى أن ألفاظ أحدهما الخادشة للحياء وأن قلة أدبه في مخاطبة الرموز سبباً كافياً للوقوف موقف المتفرج على اتهام الآخر إياه بسرقة فكرة عمل أدبي رائع يمل توقيعه. يومها استشهدت – في معرض تأكيدي على وجوب الوقوف مع حق المتهم في افتراض براءته حتى ثبوت إدانته – بموقف كاتب صحيفة “الجارديان” من استباحة مجلة “فانيتي فير” لخصوصية المخرج الهوليوودي، في مواجهة الذين كانوا يرون أنّ الروائي الشاب قليل أدب وقليل حياء، لذا فهو وإن كان لا يستحق الاتهام بالسرقة فهو – على الأقل – لا يستحق الدفاع عن حقه في البراءة من تهمة لا دليل عليها. وجه الشبه الحاضر والمعلوم بالضرورة يكمن في أنّ إحقاق الحق واجبٌ ديمقراطي لا يُخضع لموقفك من صاحب الحق أو رأيك في أحقيته بتأييدك أو تعاطفك بقدر ما هو مسؤولية أخلاقية تتطلب حياداً عادلاً ونزاهةً مهنية لا ينبغي أن تشوبها شوائب الآراء الشخصية والمواقف الخاصّة..!
(2)
لا تحدثني عن محاسن تطبيق الشريعة الإسلامية في بلادنا، لأنني سأحدثك عن نزاهة القضاء في دولة مثل إسرائيل، قبل أن أؤكد لك أن الوازع الأخلاقي لا علاقة له بالتدين الشكلاني، وأن التفاف الحكومات والشعوب حول إرساء مبادئ العدالة السياسية والاجتماعية لا علاقة له بالتفعيل الرسمي لأحكام الفقه وقواعد الشرع، ولتعزيز وجهة نظري دعني أقص عليك حكاية طريفة. النقاب – كما تعلم – هو أيقونة التدين الشكلاني في بلاد المسلمين، لكنه في حكايتي هذه لم يكن كذلك. كنا نستعد لامتحانات السنة الأولى بكلية القانون في جامعة الخرطوم عندما اقتربت مني زميلة “منقبة” كانت تفترض أن تشابُه اسمينا هو صدفة سعيدة، ومن ثم فقد عرضت علي “ودون أن يطرف لإحدى عينيها – المطلتين من خلف ذلك النقاب – جفن” أن نستبدل أوراق الامتحان. يومها، سألتها بدهشة حقيقية عن حاجتها إلى لبس ذلك النقاب والحال كذلك. ثم ها أنا ذي أسألك بدوري عن حاجتنا كشعب إلى تطبيق شكلاني لنصوص شكلانية بلا أخلاق..!
(3)
المواقف الإنسانية المُحتشدة التي لعب فيها قميص سيدنا ﻳﻮﺳﻒ أدواراً مُختلفة – وأحياناً مُتناقضة – من دليل على كذب الإخوان، إلى دليل على براءة صاحبه، إلى دليل على بقائه على قيد الحياة – وبالتالي كونه سبباً لرد بصر والده الضرير – كل هذه المعاني تؤكد أن ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ليس ﻓﻲ طبيعة الأشياء، ﻭﺇنّما ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ استخدامنا ﻟﻬﺎ. وكذلك فإن الخير والشر ليس في تباعد الرؤى وتأبين الآراء، إنما في موقف الأطراف من أيِّ اختلاف..!
صحيفة الصيحة