بقلم: يوسف عبد المنان
انشغلت خديجة (بتحميس) حبات الفول على نار جلبت الحطب من حطام بيوت ومنازل سكان حي مرتا في كادقلي ولم تهتف أو تزرف دموع الأسى مع جموع التي تدمي القلب وتجرح الكبد والبؤساء الذين تعلقت آمالهم في ثياب الجنرال كباشي بتبديل واقعهم وهو يضع نظارة سوداء مثله وجنرالات الأمن في إخفاء معالم وجوههم ولكنه ربما تعمد إخفاء دموعه من اهله وعشيرته حيث مشاهد وصورة خديجة التي (تقلي) الفول وتبيعه ولاتقضي حاجتها الفطرية الا في هجعة الليل حيث معسكر البؤس والشقاء غير ملائم اصلا لسكن الإنسان مبنى مهجور شيده السجين أحمد هارون على أمل أن يصبح ميناء بري حديث لامثيل له في السودان لكنه أصبح اليوم معسكرا يحتضن نحو أربعة الف نسمه ممن قهرتهم الحرب ولفظتهم مدينتهم لقاوة بنار الرصاص وحريق الموت
طفلة صغيرة تضع قطعة رغيفة في فمها وتمشي متعثرة نحو خديجة وامها ترفع رأسها لتجيب على سؤال أو أسئلتي
نرجع كيف لقاوة
ماعندي الا ثوبي وفستان واحد
حرقو بيتي وقتلو ولدي
انا ابيع الفول في المعسكر لمن يملكون المال واحصل على الف جنيه في اليوم وأحيانا الف ونصف الالف مطلبنا أن يعيدنا
كباشي لأهلنا ويحمينا بالجيش والشرطة ويعوضنا مافقدناه
الإنسان مابعوض هنا هطلت دمعة من خدها انصرفت عني وانصرفت مسرعا لداخل مبنى الميناء البري شاب مشغولا بكابنية شحن بطاريات الهواتف النقالة وثلاثة رجال يلعبون سيجا (ضاله) وامرأة تنظف شعر اختها وتمشطها والعسكر اصلا بلا خدمات
رفع الأطفال والشباب شعارات بعضها يستهدف الدعم السريع وآخرين يطالبون بعودة لقاوة إلى جنوب كردفان بعد أن كان المطلب للنخب والمثقفين بات المطلب جماهيريا بعد الأحداث التي مزقت احشاء المدينة الغارقة في دموعها
وبعد أن طارت بتصريحات الفريق الكباشي أبواق الإعلام أمس والرجل( يكرب قاشه) ويتحدث بشجاعة عن الاتفاق السياسي المختلف حوله سياسيا ويرفض أن يميل الجيش نحو فئة من المصارعين في ساحة الخرطوم الجدباء ويترك الأخرى والدعوة لادماج المليشيات والدعم السريع لتصبح كل القوات الملشيات في حضن الجيش بعقيدته القتالية التي عرف بها منذ تأسيس قوة دفاع السودان وانتقاده العلني لأداء الأجهزة الأمنية والعسكرية وقصورها نحو حالة السيولة التي تعيشها ولاية جنوب كردفان
تحدث الكباشي أمام النازحين من منطقة لقاوة الواقعة جغرافيا في غرب كردفان واجتماعيا في جبال النوبة بحسرة والم ومضغ حروف الكلام مغلوبا وأمام ناظريه نسأء ورجال كرماء احرار طحنتهم آلة الحرب الخرساء وقدم ممثل النازحين المفجوعين حزمة من المطالب الاجتماعية والسياسية وبرع ممثل النازحين في تصوير حالهم البائس ومطالبهم المتواضعة واهمها تسديد رسوم طلاب لقاوة في معسكرات البؤس لرسوم الشهادة السودانية وهل تقل عن المليون جنيها ولكن والي جنوب كردفان موسى جبر قطع الطريق أمام انسياب الطلب لقاطني قصر غردون في الخرطوم فاعلن تسديد الرسوم من مال الولاية ولكن كباشي لم تطغى عليه العاطفة وحدها كان عقلانيا ورجل دولة حينما رفض الاستجابة لطلب النازحين بإعادة لقاوة لجنوب كردفان وثمة اختلاف بين ضم لقاوة لجنوب كردفان أو إعادتها وقال إن هذا الطلب مكانه مؤتمر الحكم الاتحادي أو طاولات التفاوض بين مكونات الدولة وبدأ شمس الدين هادئا وصارما وقوميا وهو يرفض طلب النازحين بأن يتولى مجلس عموم النوبة توزيع الاحتياجات التي تقدمها الدولة للنازحين وقال نحن حكومة لن نسمح بأن ينوب مجلس عموم النوبة عنا كدولة والان في الطريق إلى كادقلي كميات كبيرة من العيش لمساعدة النازحين في معسكرات الدلنج وكادقلي والابيض وترك الكباشي الباب مواربا لعودة النازحين حتى استتباب الأمن بعد وصول تعزيزات كبيرة من الجيش وأمر كباشي رئيس لجنة التحقيق وتقصي الحقائق التي شكلها النائب العام بالنهوض (ورى وشك) كما يقول العسكر ونهض رجلا قصير القامة ابتسم في وجه الحضور الغاضبين والنساء اللاتي علي وجوههن غبرة وقال كباشي أن كل الضباط الوارد أسمائهم في يومية الاتهام تم التحقيق معهم وهي خطوة قبل المحاكمة المنتظرة لمن تورط في الأحداث
وامسك كباشي بورقة المطالب التي قدمها النازحين وأخذ يرد على النقاط التسعة بالاستجابة لبعضها وتحويل أخرى لسلطات الولاية الغربية ولكن فتيات صغيرات انشدن في وجهه الكباشي ماترق له الحجارة الصماء ويلين له الحديد
وتهللت وجوه النازحين فرحا بحديث الكباشي الذي بدأ انه له مابعده وقد توالت قرارات تغير لجنة أمن الولاية بنقل قائد الفرقة من كادقلي للخرطوم ونقل مدير جهاز الأمن للرئاسة وتتحدث مجالس المدينة عن نقل لمدير قوات الشرطة وبذلك يصبح حديث الكباشي قبل ٢٤ ساعة عن أسباب تردي الأوضاع الأمنية وضعف لجنة الأمن وضعف حكومة الولاية من أسباب مايحدث اليوم .
صحيفة الانتباهة