عبد الحفيظ المريود يكتب: كلنا عراة داخل ثيابنا

قالوا إن سياسياً مصرياً سأل الإمام عبد الرحمن المهدي ” لماذا تتفاوضون مع الإنجليز على الاستقلال، ولا تتفاوضون معنا؟”.. باعتباره “حكماً ثنائياً”، وكدا يعني..

كان رد الإمام عبد الرحمن شافياً، بالطبع.. لا يحتاج إلى إعادة تكراره..

شايف كيف؟

بعد ثورة ديسمبر طلب سفير مصر – رسميا – الإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان، أممياً، وذلك لـ”مصلحة الشعب السوداني”..

قبلها، بسنوات طويلة – حين تم نفي العقاد إلى السودان، أو هروبه – واضطر لكتابة “عبقرية عمر” هنا، تعجب أنه كان يحصل على المراجع التي يطلبها، ولم يكن يتصور أن السودانيين يعرفونها، أو سمعوا بها.. هذا فضلاً عن د. مصطفى محمود الذي ظن أن الأسود والأفيال تتجول في شوارع الخرطوم..

تنص اتفاقية السد العالي على أن يعود “نتوء وادي حلفا” إلى السودان، في حال لم تغمره مياه بحيرة النوبة.. وهو نتوء ثمين، تأريخياً وحضارياً، إذ يشمل ضمن ما يشمل “فرص”، عاصمة مملكة نوباتيا المسيحية النوبية، إلى جانب إشكيت، دبيرة، وسرة، بلدة جمال محمد أحمد، شخصياً.. لكن مصر جعلته أرضاً مصرية، بالأمر الواقع، أو بالقوة..

شايف كيف؟

ترفض مصر الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لحل نزاعنا معها في مثلث حلايب.. تحتله بالقوة، وتقوم بتمصيره.. على الرغم من الحجج، الخرائط، الوثائق، وكل شيء.. يسخر إعلامها كلما عرضنا للمسألة..

ذات يوم كتب الناقد الشهير رجاء النقاش (أنا من صنع الطيب صالح، وفي مقدوري تدميره).. وذلك ليس من باب الهزل.. النجوم الكبار الذين حضروا لدعم المنتخب المصري ضد المنتخب الجزائري، حين ألحق بهم الجزائرون هزيمة نكراء، ووجدوا أن الجمهور السوداني يشجع الجزائر، بدلاً عنهم، سلقونا بألسنة حداد.. حتى فردوس عبد الحميد..

شايف كيف؟

حين يحيل الإسرائيليون غزة إلى جحيم، يغلق المصريون المعبر الوحيد، الذي يتنفس به الفلسطينيون.. ولا غرو، فهم أول من قام بالتطبيع مع إسرائيل وباعوا القضية الإنسانية، قبل أن تكون قضية دين، أمة، أي شيء آخر..

ترعى مصر الحوار السوداني – السوداني.. حسناً.. لمصلحة من؟

لمصلحة الشعب السوداني، طبعاً..

أي رجل عاقل سيعرف ذلك..

لكن لماذا سنلوم مصر إذا كنا نحن أنفسنا قد “طبعنا” مع إسرائيل؟

خطوات البرهان، قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة، في التطبيع مع إسرائيل ليست معزولة، ولا جديدة.. هي ذاتها السياسة التي كانت تسير على دربها الإنقاذ في سنواتها الأخيرة.. والتي عبر عنها الفريق صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات، بعد عودته الأخيرة، وكان يقوم بـ” تنوير” قواعد الإسلاميين بها.. كان يقول: “إننا اخترنا المحور الذي يضم السعودية، الإمارات، مصر، أمريكا وإسرائيل”.. والواقع أن خطوات الإسلاميين نحو إسرائيل، كانت قد سبقت عودة قوش الأخيرة.. لكن الإسلاميين، كما قال محمد عبد الحي، واصفاً السوداني في “العودة إلى سنار”:

يغني بلسان.. ويصلي بلسان.

ربما ما زال هناك إسلاميون ضد التطبيعـ بل هو شيء مؤكد.. لكن توجههم الرسمي يميل إلى ذلك.. فقط لم يكونوا يريدون له أن يحدث بوساطة مصرية.. أو كما قال صلاح قوش “لنلعب مع الكبير ذاته”.

شايف كيف؟

الآن، وقد بتنا، جميعاً، في شرم الشيخ، حرية وتغيير، انتقال ديمقراطي، منخنقة، متردية ونطيحة.. فلا أمل في الرجوع.. أعتقد أن الوضع يتطلب “التخطيط لما بعد التطبيع”، وليس قبله.. وهي ليست أولوية لأي من القوى السياسية الراهنة.. سيكون مشروعاً ينهض به قوم آخرون، لا يرون النجاة والرفاهية رهناً بعلاقات القوى الماثلة..

وعلى كل..

كلنا عراة داخل ثيابنا، أو كما قال الخواجة..

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version