الفيل..
وظل الفيل هذا يطعنه من لا قدر على طعن الفيل ذاته؛ هكذا يقولون..
وذلك جبناً منه… أو حذراً… أو تقزما..
وفي مرحلة مبكرة من عمري جاورت روساً؛ وتعلّمت جانباً من لغتهم..
ومن مفردات ما تعلّمته كلمة فيل..
وما ساعدني على تعلم هذا القدر منها إجادة الوالد – رحمه الله – لغة الروس..
وذلك فضلاً عن الإنجليزية… والنوبية؛ بالطبع..
ثم لم يبز الوالد هذا تحدُّثاً بلغاتٍ أجنبية عديدة إلا ابنتي – وحفيدته – لينة..
فهي تتكلّم الإنجليزية… والفرنسية… والإسبانية..
ثم بصدد تعلم العبرية الآن؛ لدرجة أنْ صارت تفهم ما ينطق به اليهود..
وبذا باتت الحالة الفريدة الوحيدة من نوعها في العائلة..
ولينا هذه سميتها على لينا الروسية – إعجاباً بها – ولكن بعد تعريب الاسم..
وبعد تأصيله أيضاً؛ ليضحى مستمداً مما ورد في القرآن..
واسم لينا لاتيني أصلاً؛ ويُنطق إيلينا – أو يلينا – اشتقاقاً من أسطورة هيلين..
ولينا هذه كانت ابنة أحد جيراننا الروس هؤلاء..
وذكرت – من قبل – قصة تفوقها علينا في سباقٍ لبلوغ قمة جبلٍ مجاور..
فأعجبت بعزيمتها؛ في مقابل تكاسلنا نحن..
وذات مرة وردت في سياق حديثي معها كلمة فيل؛ فإذا بها تجهل معناها..
وعزت أمها ذلك إلى عدم رؤيتها فيلاً في حياتها..
فهي ما كانت تعرف ما هو الفيل ناهيك عن ظله؛ ولكنها بعد ذلك عرفت..
وحتى إن لم تعرف فهي تمارس – فعلياً – هذه الثقافة..
ثقافة طعن ظل الفيل عوضاً عن الفيل ذاته؛ والفيل هنا – مجازاً – هو بوتن..
ونعود إلى الوراء قليلاً؛ من واقع كلمتي تلك..
فقد قلت فيها: ولعل لينا الآن رائدة فضاء؛ بينما لا نزال نحن عند سفحه..
ولكني اكتشفت أنها رائدة فضاء إعلامي..
فقد غدت صحفية مثلي… ودارسة فلسفة مثلي؛ ولكنها لا تطعن الفيل مثلي..
بل تطعن ظله… ظل الفيل… ظل بوتن..
وتقول إن الغرب يريد أن يدمر روسيا؛ وتنسى أن روسيا هي البادئة بالحرب..
هي التي أرادت تدمير أوكرانيا..
والغرب هذا يقول – حتى الأمس القريب – إن قرار نهاية الحرب بيد بوتن..
فلو أنه اتخذ قراراً بسحب قواته فستنتهي الحرب فوراً..
وسينتهي – تبعاً لذلك – تزويد كييف بالأسلحة المتطورة حمايةً لأراضيها..
بل وستنتهي حالة العداء الغربي لروسيا..
وستنتهي – كذلك – تبعات العقوبات الغربية كافة التي تشتكي منها لينا..
ولينا تعلم ذلك؛ فهي ذكية جداً..
وفوق ذكائها هذا فهي ذات عزيمة جعلتها تصعد الجبل بينما بقينا نحن أسفله..
والصفتان هاتان جعلتني اسمِّي ابنتي عليها؛ تيمناً بها..
وبالفعل تميّزت ابنتي – لينة – بالصفتين هاتين؛ دون صفة طعن الفيل الثالثة..
فلينا الروسية هذه فُوجئت بها تطعن ظل بوتن..
وذلك بعد أن فُوجئت بأنها لينا ذاتها التي جاورتنا – طفلةً – في زمنٍ مضى..
بضحكتها… بنظرتها… بملامح وجهها… وباسمها الثنائي..
ودعونا نقول ظل بوتن بما أنها قد تجهل – إلى يومنا هذا – ذاك الحيوان..
والذي ورد اسمه أثناء حديثي – القديم – معها..
الفيل!.
صحيفة الصيحة