عبد الله مسار يكتب: السودان في القاهرة
قلنا في مقالات مختلفة، إنّ القاهرة تدخّلت في دعوة القوى السياسية السودانية إليها، بعد أن بلغت قضية السودان منحىً خطيراً يهدد الأمن القومي المصري، وإنّ التدخل الدولي في السودان وصل مرحلة قد تعصف بمصر نفسها أن السودان مرشح لحرب أهلية ومن داخل الخرطوم، وإنّ التسوية السياسية التي يقودها فولكر قد وصلت مرحلة صفارة الإنذار، لأنها قائدة السودان إلى الصراع العنيف على السلطة وفي الخرطوم. وإن الذين يعملون في المسرح السياسي السوداني لا يدركون خطورة الوضع الذي وصل إليه السودان من تجاوز الخطوط الحمراء، وان أسباب الصراع المسلح في السودان منذ الاستقلال هي حكم النخب ومركزة الحكم في الخرطوم، والآن أُضيف إليه العزل والاستعانة بالأجنبي لصالح فئة على حساب عامة أهل السودان خارج إطار الصندوق الانتخابي بحجج مختلفة (ادعاء ثوري، تفكيك النظام السابق، بناء سودان علماني جديد، تصفية الحركة الإسلامية وغير ذلك من ادّعاءات)، وهذا الأمر يتكرر في كل حين، حتى بلغنا في البلاد حد الكراهية، ودنونا إلى تقسيم السودان لشعوب وقبائل ودويلات.
إن الذي يجري الآن في السودان ليس حكماً لصالح الثورة التي قامت في ديسمبر 2018م، ولكن هو وصاية نخب على الشعب السوداني بحجة الثورة والتغيير، في حين أن الثوار من متظاهرين وحملة سلاح صاروا خارج المشهد، وتسيّدت المشهد جماعة قلة في العدد والأحزاب وصاروا بأمر سلطان بعض دول العالم والإقليم، الآمرين الناهين، هم أسياد السودان، وخاصة بعد أن استسلم العساكر نتيجة لفزاعة المجتمع الدولي، ودخل السودان كله في الصراع الخارجي ليمكن لهؤلاء النخب حكم السودان من بعض الخرطوم، ولإبعاد أهل السودان الآخرين في الأطراف والحواشي. ومازالت عقلية النخب والمركز هي التي تعمل بمنتهى النجاضة والاستهبال السياسي.
هذا الامر عقد المشهد السوداني بحماية بعض الدول التي يخدم ذلك مصالحها وتحت شعار التحول الديمقراطي، لأن بعض الدول المساندة لهذا الأمر لا تعرف الديمقراطية، ولكنها كذبة للتدخل في شؤون السودان لصالح مصالح هذه الدول، بل الذي يحدث الآن ليس صراع يمين ويسار ولا مقصود منه صراع لإبعاد الحركة الإسلامية والإسلام السياسي، ولكن مقصود منه تمكين حكم النخب وأبناء الذوات وبعض من أبناء الخرطوم على حساب عامة الشعب وريف وهامش السودان بمساعدة درقات من دول الإقليم والعالم!!
ولذلك، الموضوع صار محور صراع كبير في الداخل، ومحور صراع إقليمي ودولي، وصار السودان في مهب الريح، ضاعت في ذلك مصالح السودان كدولة، وضاع عموم الشعب، وضاعت دول لها علاقات خاصة مع السودان، يتأثر أمنها القومي بما يجري في السودان، وهي مصر التي انتظرت لحينٍ، ولكن شعرت بالخطر لأن أمرها في خطر، ولأن أي فوضى في السودان تتأثر بها مصر مباشرةً، وعليه المبادرة المصرية تحمل الآتي:
1/ تدرأ عن نفسها الخطر.
2/ تولد حلاً يكون مقبولاً لعامة أهل السودان بدون سيطرة النخب وأبناء الذوات وبعض العاصمة على حساب كل السودان الدولة والأرض والشعب، وتوقف تدخل بعض الدول.
3/ استقرار السودان لتستقر مصر.
4/ مُساعدة أبناء السودان لعمل وفاق وطني يجنب السودان الانزلاق إلى فوضى أو حرب أهلية مشابهة لحروب السودان السابقات، لأنّ هذه الحرب مختلفة، كل الحروب السابقة كانت في هامش السودان، ولكن لو قامت حرب جديدة ستدور في صرة السودان وعواقبها وأضرارها تصيب مصر!!
عليه، أعتقد أن هذه فرصة أُتيحت لأهل السودان للجلوس مع بعض لمناقشة قضايا الانتقال وطريقة ووثائق حكم السودان، بعيداً عن العزل والانتقام وادعاء أن السودان ملكية عين للبعض وملكية منفعة أو خدام فيه آخرون، هذا الأمر لن يحدث أبداً في السودان مستقبلاً.
إذن، دعوة مصر للقوى السياسية السودانية لحوار سوداني سوداني يقود الى وفاق وطني، بعيداً عن العزل السياسي، وكل الانقلابات في السودان وراءها العزل السياسي.
ولكن الآن الأمر أكبر من ذلك بكثير، ولذلك اتعظوا يا أولي الأبصار والألباب.
صحيفة الصيحة