قلنا في مقالينا آبي أحمد في الخرطوم (1) و(2)، إنّ رئيس وزراء إثيوبيا السيد آبي أحمد زار الخرطوم ليوم واحد، التقى برئيس ونائب مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو، ثُمّ التقى بعدد من الكُتل والتحالفات السياسية، وقلنا إنه قال بأن حل المشكلة السودانية يكمن في أمرين، وفاق وطني عبر حوار سوداني سوداني دون أي تدخُّل خارجي أو انتخابات رئاسية تأتي برئيس منتخب يتحمّل مسؤولية قيادة السودان، ويحل كل الأزمات بشرعية دستورية انتخابية ويتخارج السودان من الشرعية الثورية التي غير محددة يتنازع فيها الكل. ما جاء به مقبول لأغلب أهل السودان (وفاق وطني عبر حوار سوداني سوداني أو انتخابات رئاسية حال صُعوبة الانتخابات البرلمانية).
ولكن يعلم القاصي والداني أن الحال الذي نحن فيه الآن سببه المباشر آبي أحمد لمناصرته الحُرية والتغيير المركزي، التي كان آبي أحمد يعتبرها الحصان الرابح، لأن أغلبهم كانت توجهاتهم يسارية، وكان من المُتحمِّسين جداً لهم ودعمهم دعماً كبيراً، وجاء الى الخرطوم بعد صناعته للوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م ومعه ولد لبات، التي أقصت كل أهل السودان، وجاءت بحفنة من الشعب والسياسيين، وعملت الشراكة بين العسكر والحرية والتغيير المركزي، وعزلت أكثرية القوى السياسية والشعب السوداني، وكان منتشياً وعدّ نفسه من الفاتحين وكأنه صار معلماً للشعب السوداني.
وهذه الوثيقة الدستورية هي أُس هذه المشاكل التي يُعاني منها السودان، وهو أول المُتدخِّلين في شأن السودان، ثُمّ تبعه الآخرون وصار السودان محلاً لكل نطيحة ومتردية!!
الآن جاء السودان مُستنجدة به الحرية والتغيير المركزي بعد أن بلغ السيل الزُّبى، ودخل السودان في جحر ضب وهو ذاته (الفأر لعب في عبه)، وفشلت كل محاولات الحرية والتغيير الانفراد بالحكم، جاءت بوثيقة الاتفاق الإطاري التي هي أسوأ من الوثيقة الأولى، وهي تصر أن تحكم بها السودان بمفردها لفترة انتقالية عمرها سنتان للتمكُّن في مُستقبل حكم السودان، لأنها تسعى عبر هذا المولود المُشوّه لتنفرد بالحكم لتعيين رئيس وزراء يُمكنها تغيير كل شيء في السودان حتى القيم والمثل، بما في ذلك الرابط الاجتماعي (وآخرها حفرة دخان السفير الأمريكي)!!
إذن، هذه الأزمة التي نعيشها الآن، السّبب الرئيسي فيها آبي أحمد الحاكم التنفيذي لإثيوبيا!!
الآن بعد وثيقته الدستورية التي أقامها في 2019م شربت موية واقتلعت أعاصير السياسة في السودان صُنّاعها ومُشاركيها، جاء ليُعيد نفس الفيلم بطريقة جديدة، لأن المعارضة السودانية ضد صناعته هذه كبرت وصار كل الأمر فوق التربيزة.
والآمر الآخر الذي دفع به عاجلاً وصول الخرطوم، دخول القاهرة (الفأر كديسك جاء) في خط الأزمة السياسية بالسودان، والذي سكتت عنه القاهرة زهاء الأربعة أعوام، ولكن وضح للقاهرة أن الأزمة دخلت اللحم السياسي (والزيانة وصلت الجبهة)، (والنار وصلت القبة) وسوف تؤثر مُباشرةً على الأمن المصري، أقلها حال الاضطراب الأمني في السودان، سيكون هنالك لجوءٌ ولا مكان آخر يقبل السودانيين إلا مصر، ولذلك سكوت مصر عن الأزمة السودانية والخطر يدق أبوابها مستحيلٌ، وصراع السلطة المُسلّح في الخرطوم يرى بالعين، لأن الذي يدور لا يُبشِّر بخيرٍ، وهي تغلي كالمرجل، وخاصةً إذا انسحب العسكر من المشهد وابتعدوا عن الحكم، لأنّ كل دنيا السودان الآن مليشيات مسلحة، والخرطوم تعيش مرحلة من الهشاشة الأمنية غير مبسوطة، منتظرة فقط عود ثقاب، لأن الكراهية وصلت حداً غير مسبوق وتسمع تكوينات عسكرية في كل جهات السودان (لي شنو) هو لصراع من أجل السلطة.
إذن آبي أحمد لم يأتِ بجديد، فقط الجديد هو قطع الطريق لأي حل مصري، ولذلك أعتقد أن مبادرة مصر مهمّة وتجد تأييداً من أكثرية الشعب السوداني، لأنها مخرج من الأزمة الحالية في السودان، وهي الأقرب إلينا ديناً وخُلقاً ومودّةً ودماً وتاريخاً، وأعرف بأمورنا أكثر من الآخرين عدا جنوب السودان ومصر، الآن الخطر عليها أعظم!! عليه، ان آبي أحمد لم يضف جديداً ولم يأتِ بجديد.
ولذلك، علينا أن نرضى ببعض ونتفق على الوفاق الوطني، وما زلت أنصح الإخوان في الحرية والتغيير المركزي، أن الغبائن والضغائن والأحقاد وتصفية الحسابات لا تبني وطناً، ولا توصّل للحكم ولو وصلت لن يستمر، وكذلك المتغطي بالأجنبي عريان، وما حدث في افغانستان خُذوه عِبرةً وعِظةً.
ونقول لإخوتنا في الحرية والتغيير، انظروا بعين اليمامة، وراجعوا التاريخ، كل القتال الذي تم في السودان طيلة الستين سنة الماضية كان من أجل السلطة والحكم، وسِّعوا الماعون والسودان وطنٌ يسع الجميع، وقديماً قيل (الدايره كله تفقد كله).. وأقول ماعون آبي أحمد فارغ، وماعون فولكر فارغ، وماعون الرباعية فارغ، المليان (ماعون الشّعب السُّوداني).
صحيفة الصيحة