دكتور ياسر أبّشر يكتب: الدور الخارجي في إسقاط البشير(7)

– لعله كان من سوء حظ البشير أنه استولى على السلطة والاتحاد السوڤيتي يلفظ أنفاسه الأخيرة، إذ لم يمضِ سوى خمسة أشهر من صعوده إلى دست السلطة حتى انهار جدار برلين (نوفمبر 1989)، وإلّا لكان آوى إلى ركن شديد، لو كان الاتحاد السوڤيتي في قوته ومنعته.
– أرجّح أن السوفيت كانوا سيدعمون نظام البشير المدعوم من الحركة الإسلامية (كحركة تحرر وطني) كما وصفها الشيوعي دكتور عبد الله علي إبراهيم. كان السوڤيت الاشتراكيون سيقبلونها ويدعمونها مثلما فعلت الصين التي تطبق الاشتراكية وإن (بخصائص صينية) كما تقول عن نفسها.
وهكذا بقي البشير كما المتنبي:
«وحيدٌ من الخلانِ في كل بلدةٍ
إذا عظم المطلوب قلّ الـمُساعدُ»
والحال كذلك، لم يدخر الغربيون جهداً لمعاداته بمجرد أن استيقنوا أنه إسلامي التوجه..
ولم يدخر معارضوه جهداً لمناوءته منذ سِنِيِّ حكمه الأولى.
عمل المعارضون في ما يُسمّى «التجمع الوطني الديمقراطي» على تعريف دول الخليج، وخاصة السعودية والكويت والإمارات، بجون قرنق.
وكان قرنق رجلاً ذكياً، فكان إذا التقى العرب نفى تماماً أي عداء له مع العرب، وقال إن مشكلته مع الأنظمة الظالمة في الخرطوم!!
وبذلك كسب رضى العرب للحد الذي زودته السعودية بسفينة كاملة محملة بالعتاد العسكري والمؤن والخيام والأدوية عام 1994.. ورست تلك السفينة وأفرغت حمولتها في ميناء ممبسا، ولكن الرئيس موي تقاسمها مع الحركة الشعبية ولم يسلمها لها كاملةً.
– وقبلها أرسل الحزب الشيوعي عناصره للقتال مع قوات قرنق، وللعمل معه في المجال السياسي والإعلامي (عرمان) .
– وأرسل السيد الصادق المهدي 23 من أولاد الحزب لمعسكرات قرنق بالجنوب.. وهناك تعرضوا لضروب من المذلة والاضطهاد بواسطة جنود الحركة الشعبية. فكانوا هم من يغسلون ملابس ضباط قرنق، ومن ينظفون المعسكر، ومن (يعتّلون) الذخيرة والمؤن..
ولما علمت حكومة البشير بذلك، وبلغها تذمرهم من سوء المعاملة، عملت على تهريبهم من الجنوب إلى نيروبي ثم إلى السودان.
– وفي معسكر ما سُمّي (جيش الأمة) في أريتريا كان الدينكا يدربون عناصر حزب الأمة ومعظمهم أول الأمر كان من الطلاب.. وكان الدينكا يضربونهم «ويكفتونهم»، فلما احتجوا، ووصل الأمر لقرنق تحجج الجنود الدينكا لقرنق بقولهم: إنهم في الأصل يقاتلون الجلابة ويريدون الوصول إليهم في الخرطوم، وإذا بالجلابة يأتون إليهم بأرجلهم، وضحك جون قرنق، واستبدل الدينكا بجنود تدريب من قبائل أخرى.
كان جون قرنق هو المسيطر الحقيقي على التجمع الوطني الديمقراطي المعارض للبشير. وكانت وسيلته للسيطرة هي المال، الذي يصله من مادلين أولبرايت. وكان قرنق يستخدم المال بما يخضع كل المعارضين في التجمع بما يخدم خطه. وكان جواسيسه في التجمع وعلى رأسهم ياسر عرمان يوافونه بأسماء كل معترض أو محتج، فيقطع راتبه الشهري حتى يلين ويخضع.
وأزعم هنا – وأنا واثق مما أزعم – أن الوثيقة التي أعطت الجنوبيين «حق تقرير المصير» والتي وقعتها كل أحزاب التجمع الوطني في أسمرا في (مؤتمر القضايا المصيرية) عام 1995،كانت وثيقة أعدها جون قرنق وأرسلت من مكتبه جاهزة، ولم يفعل المعارضون للبشير شيئاً سوى التوقيع عليها.. بل إن معظمهم وقع عليها دون أن يقرأها. وكانت وثيقة أمريكية / قرنقية !!!
وهذا تحدٍ من كاتب هذا المقال لكل ذي ضمير من الأحياء ممن شارك في ذلك المؤتمر!!!
وقعوا على مذكرة تعطي الجنوبيين «حق تقرير المصير»، وكانت أيديهم مكبلة بالأموال الأمريكية، التي وُضعت تحت سيطرة قرنق.. وفعلوا ذلك – يظنون- نكاية في البشير، ولكن الحقيقة أنها كانت نكاية بالوطن.
ولمزيد من الاستيثاق يمكن للقارئ الكريم الاطلاع على ما كتبه دكتور سلمان محمد سلمان في كتابه الموثّق (انفصال الجنوب، دور ومسئولية القوى السياسية الشمالية) والذي أثبت أن كل الأحزاب، التي كانت تعارض البشير عملت على فصل الجنوب.. كلهم عملوا على دعم قرنق وفصل الجنوب، لكنهم يتنصلون من ذلك، ويرمون التّبِعَة على البشير منفرداً.
من ثم، وفي هذا الصدد، كانت هناك جبهتان:
جبهة فيها البشير وجماعته من الإسلاميين، الذين قاتلوا ضد فصل الجنوب، ومات منهم ألوف.. ومما ينبئ عن جديتهم أن بعض قادتهم شارك في القتال، وبعض قادتهم قُتِلَ أبناؤهم وإخوانهم.. قُتِلَ ابن يسن عمر الإمام، وأخ الترابي، وابن إبراهيم السنوسي، وشقيق البشير نفسه.. وتلك جدية وتضحية يجب أن تُذكر، ولا يجوز أن تُنكر.
أما الجبهة الأخرى ففيها جماعة التجمع الوطني، الذين هم ذات قحت تقريباً.. وهؤلاء كانوا ينسقون مع قرنق، وفي نفس الوقت تبع للغربيين.
والغرب كان يرى في الجنوب منطقة عازلة Buffer Zone، تعزل السودان العربي المسلم عن أفريقيا جنوبه. ومن ثم يرون أنهم يعزلون الإسلام عن التمدد جنوباً.. وهذا مكتوب وثابت في أكثر من مصدر غربي.
تحدث تقرير الاستراتيجية الأمريكية عن الاستفادة من المهاجرين واللاجئين في الغرب، واستخدامهم لكبح جماح الإسلام. وقالت الاستراتيجية: إنه يجب تكرار هذه الخطة، التي نجحت في إسقاط الاتحاد السوفيتي مع الإسلام.
وقد بدأ تطبيق هذا المنحى ضد السودان منذ تسعينات القرن العشرين، بتسهيل إجراءات اللجوء للدول الغربية، ثم بتجنيد بعض اللاجئين، إلى أن وصلوا لأشباه عمر قمر الدين، الذي يتباهى بأنه وزمرته خطّوا خطة العقوبات الأمريكية على السودان بأيديهم.. والغريب أنهم لم يرفعوا تلك العقوبات عنهم حينما مكّنوهم من الحكم.
وحُقّ للأمريكان ألّا يفعلوا، فمن رضى بالعبودية جدير بأن لا يُحترم.
وكانوا يكتبون مواداً تشوّه صورة الحاكمين الإسلاميين، ويتعاونون مع منظمات تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، فروجوا لقتل الإسلاميين 300 ألف في دارفور وحدها.. ولم يُظهروا قبراً جماعياً واحداً لإثبات الدعاوى المبالغ فيها تلك، في زمان تستطيع الأقمار الصناعية إثبات ذلك.
وكان ذلك الرقم وحده كافٍ لدى الغربيين المتربصين، لتلتصق سُبّة الإبادة Genocide بالإسلام كدين عدواني، والإسلاميين كقتلة مجرمين !!!
نواصل أن شاء الله
ياسر أبّشر

Exit mobile version