(1)
انظر الى حال الصحافة الورقية وأوضاع الصحفيين في بلادي ويلوح في الخاطر تأملاً (مقابر الصحافة) وهي تمتد في مساحات شاسعة على الحي العريق الذي اطلق عليه اسم (الصحافة) تكريماً لها وتقديراً للصحفيين، وما تبقى لنا منه غير (مقابر الصحافة) التى تفسر حال الصحافة والصحفيين وأوضاعهم الآن.
الصحافة الورقية في السودان لها مكانة وسمعة جيدة ، يكفي ان الامام الصادق المهدي قال ان الصحافة في السودان قامت بما لم تقم به الاحزاب المعارضة، وكان الاستاذ محمد ابراهيم نقد عندما يسخر من الاحزاب ومن المعارضة في العهد البائد تحتفى الصحافة الورقية بسخريته تلك وتنشرها في عناوينها الرئيسية حتى وهو يسخر من نظام الانقاذ، وقد وجد قوله (حضرنا ولم نجدكم) في ميدان ابوجنزير صدى واسعاً بعد ان التقطت الصحافة العبارة ونقلها من (الكرتونة) التى كتبها عليها محمد ابراهيم نقد الى (الصحافة).. وقد حضر الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة ووجد نقد ومحجوب شريف وحميد رغم رحيلهم، وهم يشعلون الميادين والساحات والشوارع بشعاراتهم وأرواحهم الطاهرة.
(2)
صحف موالية كثيرة للنظام البائد وصادرة من الحكومة نفسها كانت تسخر من الحكومة وتهاجمها لتقدم الصحافة الورقية دوراً كبيراً في اسقاط نظام الانقاذ.
لهذا كان النظام البائد يحارب الصحافة الورقية ويصادرها ويكممها .. لقد فعلوا ذلك حتى مع الصحف التى اصدروها، لأن هنالك كانت اقلام (وطنية) تقول كلمة الحق في صحف الحزب الحاكم نفسه والموالين له.
في العهد البائد وهذا العهد ايضاً مصادرات وملاحقات وإزالة للمكتبات والمحلات التى تبيع الصحف .. جففوا مواقع العرض بعد ان فشلوا في ان يجففوا مقار ودور الصدور.
النظام البائد عمل على تجفيف الصحافة الورقية وعلى افشالها حتى وان صدرت من النظام البائد نفسه بميزانيات ضخمة.. كانوا يفعلون ذلك ليثبتوا فشل الصحافة.. هم لم يدركوا ان الانتقال الى الصحافة الالكترونية سوف يكون خطره اكبر عليهم.
لا نستطيع ان ننسى دور المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في اسقاط النظام وهي ما زالت تقوم بدور جليل رغم نشاط الثورة المضادة وفعالية تحركاتها.
(3)
عندما انظر الى مرتبات الصحفيين ومخصصاتهم وهم يعملون بدون تأمين اجتماعي وبدون معاش وبدون مكافأة خدمة وبدون ترحيل وبدون حتى اجازة سنوية في مهنة يمكن ان يفقدوا فيها عيونهم وعقولهم وأرواحهم ايضاً، اقول في نفسي لماذا لا تعدمونهم رمياً بالرصاص ؟ ، والحديث عن الصحفيين ومرتباتهم الهزيلة.
لقد اختاروا ان يعدموهم بطريقة اسوأ، وهو ان يعدموهم بتلك المرتبات المخجلة.
ادارات الصحف الورقية هي التى اضعفت الصحافة الورقية وليس التكنولوجيا والميديا، وذلك بتسببهم في هجرة الصحفيين المميزين للعمل في المواقع الالكترونية والعربية والعالمية وحتى المحلية بسبب العائد المادي الذي يمكن ان يجزي مقارنة مع مرتبات الصحفيين في الصحف الورقية.
قبل ايام تم عرض منصب كبير في صحيفة ورقية لصحفي مرموق رفضه وفضل ان يكون محرراً في موقع الكتروني مختص في الاخبار والتقارير.
هل تعلمون ان مرتبات الكثير من الصحفيين في الكثير من الصحف التى يتحدث اهلها عن الحريات والديمقراطية والعدل لا يتجاوز (7) الاف جنيه وبعضهم (4) الاف جنيه.
اننا نقول لهؤلاء متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً ؟
(4)
ازور تنزانيا هذه الايام مع بعثة فريق الهلال السوداني وقد سرنا ونحن ننزل الى (دار السلام) شغف الشعب التنزاني بالصحف الورقية واهتمامهم بها.. رغم سرعة الانترنت وتوفر خدماته بصورة اجود من السودان إلّا ان الشعب التنزاني ما زال شغوفاً بصحافة الورق .. ينتظرها بترقب وشوق في المكتبات والمفارش الارضية ويتلقى اخبارها ومقالاتها في الصباح… حيث تمتد شوارع دار السلام بالمكتبات والمفارش الارضية للصحف اليومية.
شوارع دار السلام عبارة عن معرض للصحف اليومية.
ما يحدث في دار السلام يحدث عكسه في مصر، اذ اصبحت الصحافة الورقية هنالك تستعمل فقط في لف الحلويات والأسماك ومسح زجاج السيارات .. ويمكن ان يكون ذلك مبرراً في مصر فمن قرأ للعقاد وإحسان عبدالقدوس وانيس منصور واحمد بهاءالدين واحمد رجب ومفيد فوزي من الصعب ان يقرأ اليوم لأحمد موسى وعمرو اديب وشوبير الذين انتقلوا بدورهم الى الفضائيات والمواقع وإذاعات اف ام.
(5)
بغم
في الصحف التى يحدثنا اهلها عن المبادئ والقيم والمؤسسية والديمقراطية والعدل مرتب الصحفي عندهم يساوي سعر اثنين كيلو لحمة ضان!!
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهج