كتبت مقالاً قبل عام ذكرت فيه ان الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وضعت الاستقرار كأولوية ..وهي غير مشغولة بالديمقراطية ،في بداية هذا العام تحتدم المنافسة بينها وبين روسيا والصين على القرن الافريقي وفي شمال افريقيا ..وفي افريقيا جنوب الصحراء ..وفي غرب افريقيا وفي البحر الاحمر ، ويظهر لها السودان في هذه المناطق كرقعة جيوسياسية مهمة لابد ان تسعى اميركا بسرعة الى كسبها وضمان الاستقرار فيها مهما لزم الامر ، وهذا قد يقتضي تجاوز القوى السياسية التي ساندتها في السنوات الاربع الماضية ، ام هل يمكن ان تضع المصالح الضيقة للقوى السياسية الضعيفة والمحدودة التي تساندها الان امام هدفها الاستراتيجي!! !هل ستظل اميركا مشغولة بتأهيل ودعم ورفع هولاء القلة ، والذين يجمع بينهم الضعف الشامل ، وتستعدي بذلك التيار العام في السودان The Main Stream ، وتقوده للوقوع في الفوضى وتسلمه للتطرف ومن ثم عدم الاستقرار الواسع ! !
السؤال المهم ، هل تملك امريكا القدرة على فرض او ” حفظ ” او اعادة الاستقرار للسودان !! الذي اصبح فيه جيشين فعلياً ؟! والجيش الموازي للمفارقة تدعمه روسيا عبر مجموعة فاغنر كما ذكرت تقارير دولية وامريكية وبعثة الامم المتحدة والاتحاد الاوربي رغم انكارهما ..ولكن الشواهد والادلة كثيرة ، ويتحدث قائده لقيادات الادارة الاهلية وآخرين انه مستهدف من الجيش ولكنه مدعوم من المجتمع الدولي!!
السؤال الآخر المطروح ، هل تملك امريكا اوراق اللعبة اللازمة في السودان !! ان الخارجية الامريكية ممثلة في السفيرة مولي وطاقمها يبدو انهم لم يعطوا انفسهم فرصة لمعرفة السودان ولم يستمعوا لكثير من الناصحين ، فاختاروا الجانب الخطأ والموقف الخطأ ..في الوقت الخطأ !! وصاغوا وفرضوا مبادرة ضعيفة واقصائية ، وصنعوا بسببها فراغاً عريضاً ومناخاً سالباً اضرّ بمصالح الجميع واضعف الدولة وشل اجهزتها ، فاصبحت مبادرتها التي فرضتها مهددا للاستقرار الهش ، وستكون سبباً في الفوضى ، وهذا ما حذرنا منه مراراً ..ان السودان دولة هشة ومفتوحة الحدود ومؤثرة ، التعامل بخفة او سطحية مع ملفه سيؤدي لخلخلة الاستقرار فيه وفي المنطقة ! ولذلك يحتاج لاشخاص اقوياء و مستقلون عن دعاية النشطاء وتقارير المنظمات التي تعتمد في ميزانياتها ومرتبات موظفيها على استمرار الازمات ، وبعيداً عن نادي السفراء الغربيين الحصري والقابل للاختراق والاستغلال !
ربما يكون مفهوماً في سنة 2019 ، وفي ظل العلاقة المتوترة مع حكومة الانقاذ ، ان يختار الامريكيون الوقوف مع الانقلاب العسكري ضده وان تدعم المعارضة التي تمكنت من الحكم بحماس ، لكن غير المفهوم هو استمرار ذات الموقف بعد اربع سنوات شهدت سقوط الكثير من الاقنعة ، واستمرار السفيرة مولي وطاقمها في المراهنة على قوى سياسية معزولة وضعيفة حازت في لحظة نادرة على مساندة شعبية غير مسبوقة ..ولكنها اضاعت على نفسها هذه الفرصة التي لا تتكرر كثيراً ، لانها ببساطة ظلت في مربع المعارضة لم يستطيع قادتها ان يكونوا حكاماً ، وظلوا ناشطين سياسين وليس سياسيون او رجال دولة ، وهم كما وصفهم سفير يعتبر من اصدقائهم ” مليئون بالتناقضات يصعب الوثوق بهم ” !!
ان سياسة الاستقرار قبل الديمقراطية التي اقرتها الولايات المتحدة كمبدأ في المرحلة الحالية ، هي مؤشر لسياسة واقعية وموضوعية بعيداً عن مثالية الليبراليين الجدد !! ، وهذا ما ظل كثيرون يقولون به في العالم الثالث ودول ما بعد الاستعمار ..ان الاستقرار مع الضغط لقيام موسسات الدولة بادوارها التنفيذية والقانونية مع وجود مؤسسات رقابية قوية واعلام حر ومسؤول هو ما سيقود للممارسة الديمقراطية ويبعد العسكر عن السلطة للتفرغ لأدوارهم
المطلوبة .
ان الاستقرار يعني ان تقف الولايات المتحدة على الحياد والا تتحول لشريك لاحد الاطراف ومن ثم تتحول لخصم ، وللاسف كثير من السفراء والدبلوماسيين الغربيين في السودان وقعوا فريسة لاصدقائهم وندمائهم من النشطاء والمجموعات المرتبطة مصالحها تاريخياً بهذه السفارات ، وتحول هولاء الدبلوماسيون لنشطاء ، لقد كنت موظفة في وزارة الخارجية السودانية ، وكان كلما اثار النشطاء قضية ما او افتعلوا حدثاً ما او ارتكب جهاز الامن خطأً ما ، كنت وبعض الزملاء ، نتراهن على من هي اولى السفارات التي سترسل مذكرة حول الموضوع ونتوقع الصياغة كيف تكون !! ومن من السفراء سيسبق نظارائه لمبنى الخارجية !! كانت الخطابات نسخة مكررة فقط يتغير اسم البلد وسفارتها وتوقيع السفير حتى المعلومات الخاطئه كانت متطابقة !!
ان الاستقرار يعني الابتعاد عن كل ما يثير الخصومات او يسبب الانقسام الداخلي في السودان ، خصوصا التدخل في قضايا الدين والهوية وما يتعلق بالمجتمع !! عليكم – مرةً أخرى – ان تتقبلوا اننا مختلفون .. نحن وانتم مختلفون ديناً وثقافةً وحضار
سناء حمد