استرداد الأموال المنهوبة .. البحث عن مجهول
يبقى استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج تحدياً حقيقياً يواجه حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك التي فشلت في تحقيق أي تقدم في ملف الأموال المهربة للخارج، وأيضا ستواجه الحكومة القادمة بسبب التعقيدات والتحديات التي يصطدم بها الملف داخلياً وخارجياً، داخلياً يتمثل في عدم توافر الإرادة الوطنية وعدم التعامل بجدية مع الملف لاسترجاع تلك الاموال، وخارجياً عدم إمتلاك الحكومة السودانية القدرة في التعامل مع الدول التي تحتفظ بتلك الاموال في مؤسساتها المالية، الأمر جعل الحرية والتغيير تخصص ورشة كاملة في الاتفاق الاطاري للحديث عن كيفية استرجاع تلك الاموال.
ضياع الأموال المنهوبة
ابدى الخبير الاقتصادي والمالي الدولي والقيادي بمجموعة الكتلة الديمقراطية علي خليفة عسكوري،مخاوفه من ضياع أموال السودان المنهوبة بالخارج، عازياً ذلك بسبب وجود ما وصفه بالتراخي من قبل حكومة رئيس مجلس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، بجانب عدم وجود إرادة وطنية جادة للتعاقد أو الاستعانة بشركات دولية لديها الخبرة الواسعة في استرجاع مثل تلك الأموال.
وتوقع عسكوري في تصريح لـ”الحراك” أن تكون تلك الاموال قد ضاعت وبالتالي يصعب استرجاعها،وأكد جدية مجموعة الكتلة الديمقراطية في استرداد تلك الأموال وليس لديها اعتراض على استرجاعها، واتهم مجموعة المجلس المركزي إذ قال لم يكن لديها الراغبة في استرداد تلك الأموال بدليل وجودها في السلطة لمدة (3) سنوات لم تعمل على تحريك ذلك الملف حتى خروجها من السلطة، غير ما وصفها عسكوري بالتصريحات العبثية التي قال تطلقها مجموعة المركزي من وقت لآخر عن استرداد الاموال المنهوبة دون أي جدوى.
وقال إن استرجاع الأموال المسروقة تحتاج إلى علاقات وطيدة مع العالم الخارجي وشركات لديها تجارب ومتخصصة في استرداد الأموال المنهوبة لمتابعتها منذ خروجها إلى مكان وصولها، مشيراً إلى أن استردادها يكلف أموالا طائلة، ويمكن أن يكلف ثلث الاموال المنهوبة، فضلا عن انها تحتاج إلى مفاوضات طويلة خصوصاً بعد 30 عاماً.
خطير و كبير
وكانت الخبيرة الدولية في مجال استرداد الأصول والأموال غريتا فينر، دعت خلال ورشة تفكيك النظام البائد إلى التحلي بالصبر والواقعية وتحديد الأولويات في عملية التفكيك واسترداد الأموال المنهوبة، منوهة بأن هناك كثيراً من الأصول المسروقة، وأن عملية الاسترداد تحتاج لعمل شاق ومتسع من الوقت.
ونادت غريتا بالشفافية في تقديم المعلومات وعدم تقديم وعود كبيرة من لجنة تفكيك نظام البشير، مؤكدة أن استرداد الأصول أمر واسع يبدأ بالتحري ثم المحاكمات وبعد ذلك المصادرة.
وأشارت الخبيرة الدولية إلى أن “عدم إدارة الأصول بطريقة جيدة يشكل خطراً كبيراً على السودان، بالتالي لا بد أن تكون هناك ضوابط وقواعد للتعامل مع الأصول التي تصادر، فضلاً عن ضرورة وجود مؤهلين لاسترداد الأصول في الشركات، ودراسة الأمر جيداً قبل تجميدها، إضافة إلى ضرورة إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة في القطاعين الخاص والعام.
معقدة وشائكة
ومن جانبه وصف مفجر قضية الأموال المنهوبة ومحافظ بنك السودان المركزي فرع الضعين محمد عصمت، عملية استرداد الأموال المنهوبة بـ “المعقدة والشائكة للغاية، بالتالي تحتاج إلى تنسيق دبلوماسي عالي جدا، أضافة إلى الاستعانة ببيوت خبرة عالمية ذات دراية من الجوانب الفنية والسياسية والاقتصادية، بعملية تتبع الأموال منذ لحظة خروجها حتى مكان استقرارها.
وكشف عصمت في تصريح لـ “الحراك” عن تشكيل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، فريقا من الخبراء الدوليين والمحليين لتتبع عملية سير الأموال المنهوبة ابتداء من السودان وصولاً إلى المؤسسات الدولية التي استقرت فيها، وقال بالفعل باشر الفريق عمله ، لكن انقلاب 25 أكتوبر تسبب في قطع الطريق أمام الفريق في الوصول إلى غاياته، واعتبر عصمت تشكيل الفريق واحدة من الاسباب التي أدت لانقلاب 25 أكتوبر.. مشيراً إلى أن الأمر يحتاج إلى ارادة سياسية من قبل الدولة، واتهم المكون العسكري بانه وراء تهريب تلك الأموال من خلال وضع يده على شركات المؤسسة العسكرية وتهريب الذهب،، فيما تخوف عصمت أيضا من ذهاب تلك الأموال إلى جزر داخل دول لا تلتزم بالمعايير الدولية في محاربة الفساد، بالتالي يصعب استردادها، وانتقد الحديث عن الأموال المنهوبة وطريقة استرجاعها، مشيراً إلى أن مثل تلك التصريحات قد تجعل السارقين يقومون بتحويل أو سحب تلك الأموال بالتالي يصعب ملاحقتها خارجياً.
صعوبات وتحديات
في السياق، يشير المتخصص في الشأن القانوني، كمال محمد الأمين إلى أنه “يجب على الحكومة الانتقالية المقبلة تبني إصدار قانون جديد لتفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989 وإزالة التمكين، يتضمن بنوداً واضحة تأخذ في اعتبارها توصيات الورشة الخاصة بتفكيك نظام البشير السابق التي انعقدت في التاسع من يناير وجاءت في إطار ترتيبات المسار السياسي تمهيداً للاتفاق النهائي، على أن يراعي القانون الجديد جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالفساد ويسعى لتفكيك دولة الإخوان بأقصر الطرق وأعدلها.
الفساد
وعن حجم الأموال المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق، أوضح الأمين بقوله: “لا توجد تقديرات محددة لحجم فساد نظام الـ30 من يونيو، فإذا نظرنا لآخر تقرير صادر من منظمة الشفافية الدولية نجد أن السودان يحتل مرتبة متأخرة جداً، إذ يعد من بين الدول الأكثر فساداً، فقد اعتمد النظام السابق على شبكة فاسدة كرست جهودها على الإثراء الشخصي، إلى جانب صور متنوعة للفساد والتمكين لعضوية المؤتمر الوطني في جميع مفاصل الدولة، لذلك ارتفعت نسبة الفساد إلى درجة عالية جداً، مما يتطلب الأمر جهوداً كبيرة للوصول إلى هذه الشبكة الفاسدة وتفكيكها.
الاستبداد والتسلط
وتوقع الأمين أن تواجه عملية استرداد الأموال المنهوبة صعوبات وتحديات كبيرة، خاصة أن التمكين طال جميع مؤسسات الدولة ولمدى 30 عاماً، فضلاً عن الاستبداد والتسلط والاعتداء على المال العام وتهريب جزء كبير منه خارج البلاد، مشيراً إلى أن “حجم الضرر الذي سببه انقلاب 25 أكتوبر 2021 كان كبيراً وكانت الردة أكبر من خلال إلغاء معظم قرارات اللجنة بواسطة الدائرة الخاصة بالطعون في المحكمة العليا وعودة عناصر النظام السابق لتصدر المشهد من جديد، بالتالي فإن الأضرار كبيرة ولا يمكن حصرها!
الإرادة السياسية
ومضى المتخصص في الشأن القانوني بالقول: “في تقديري إنه إذا توافرت الإرادة السياسية من خلال إصلاح القضاء ومؤسسات الخدمة المدنية، إضافة إلى استحداث قانون يختص بتفكيك نظام الـ30 من يونيو يقوم بعمليات تدقيق واسعة دون الاتجاه لأي أعمال تطهير، ستتحقق خلال بضعة أشهر نتائج ملموسة في جانب تفكيك بنية النظام السابق، فضلاً عن استرداد الأصول والأموال المنهوبة داخلياً وخارجيا”، لافتاً إلى أنه بالإمكان الاستفادة من المؤسسات الدولية التي لديها خبرات كبيرة في هذا المجال وتحديداً الدول التي مرت بظروف وتجارب مشابهة للسودان.
تقرير ــــ أحمد قسم السيد
صحيفة الحراك السياسي