عثمان ميرغني يكتب: الساسة في متاهة.. حزب الأمة نموذجاً..

أكثر ما يعجبني في السيد عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال أنه يفهم تماماً كيف تدار اللعبة السياسية في السودان فيحتفظ في درج مكتبه بنسخة واحدة لـ”مذكرة تفاهم”جاهزة للتوقيع مع أي زائر قيادي سوداني الى عروس المدائن جوبا عاصمة جنوب السودان.

آخر هذه التوقيعات على مذكرة التفاهم الصامدة عبر الزمن، كان مع وفد حزب الأمة القومي برئاسة المهندس صديق الصادق المهدي، وحسب البيان الختامي الصادر من حزب الأمة القومي أن الوفد أجرى مباحثات (ناجحة!) مع الحركة الشعبية شمال برئاسة الحلو يومي الخميس والجمعة 19 و20 يناير 2023 وتوافقا على مذكرة التفاهم – الجاهزة سلفاً لكل ضيوف جوبا- .

و أجمل في مذكرة التفاهم المعلبة، عبارة ترد دائماً في خاتمتها (وقد اتفاق الطرفان على مواصلة الحوار مستقبلاً لإكمال التفاهمات التي بدأت بين الطرفين) ..

وكالعادة تنتهي مراسم التفاهم بانتهاء توقيع هذه المذكرة في انتظار وفد جديد..

هذه المذكرة وقعها الحلو مع الدكتور عبد الله حمدوك في أديس أبابا، ثم البرهان في جوبا ثم مع نائبه الأول محمد حمدان دقلو ثم مع الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، ثم الحزب الشيوعي بوفد رفيع قاده السكرتير العام مختار الخطيب شخصياً على سبيل المثال لا الحصر.

وكلها تنتهي بالعبارة ذاتها (وقد اتفاق الطرفان على مواصلة الحوار مستقبلاً لإكمال التفاهمات التي بدأت بين الطرفين) والحلو يعلم أن الساسة لا يريدون أكثر من مذكرة التفاهم والصور الملتقطة معها، وهو لن يخسر شيئاً إن وقع ألف مذكرة تفاهم.

الأحزاب السودانية عوضاً عن الجدية في النظر لقضية إكمال ملف السلام مع حركتي الحلو وعبد الواحد باتوا يتخذون الملف لتسويق المواقف المجانية، فمذكرات التفاهم مع الحلو يقصد بها إشارات الى الملعب السياسي المزدحم بلافتات أشبه بتلك التي تتصارع بمكبرات الصوت في ميدان المولد، فتوقيع مذكرة مع الحلو لا يراد منه أكثر من “برستيتج” اسم الحركة الشعبية شمال.

والدليل على ذلك البنود التي يحويها اتفاق التفاهم (المعلب) فهي مما لا يختلف عليه أحد، ويستطيع كل الشعب السوداني أن يوقع عليها بعين مغمضة، هل يحتاج (اتفق الطرفان على الديموقراطية المستدامة) إلى جلسة تفاوض؟ وهل يحتاج (اتفق الطرفان على التنوع التاريخي والتنوع المعاصر وتعزيزه) إلى رحلة بالطائرة إلى جوبا؟

(تحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام) هل تحتاج إلى بطل ليوقع عليها؟

العبرة ليست في بنود التفاهم، فكل التوقيعات السابقة واللاحقة عليها لم تجرح خاطر نملة، لكن العبرة كلها في اسم “عبد العزيز الحلو” و إن أمكن صورة فتوغرافية معه تثبت أنه هو الذي وقع لا وكيلاً عنه.

بصراحة الساسة في متاهة.. لا أنكر أن نواياهم طيبة ويريدون أن يخدموا وطنهم وشعبهم، لكنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك..

صحيفة التيار

Exit mobile version