“الزوجة السرية” تثير غضب السودانيات

تصريح أثار الرأي العام السوداني، الأسبوع الماضي، وهو تأكيد رئيس لجنة الأحوال الشخصية بمجمع الفقه الإسلامي علاء الدين عبدالله أبوزيد، جواز الزواج السري. وبحسب صحافية محلية، قال أبوزيد “الزواج السري إذا لم يوجد فيه شهود فهو غير جائز، أما إذا انطبقت عليه شروط الزواج فهو جائز وليس من الضروري أن يخبر الرجل زوجته أو أسرته”.

وأثار التصريح حفيظة السودانيين الذين أجمعوا على أن فيه انتقاصاً كبيراً من حقوق المرأة وكرامتها، واحتل القرار الجزء الأكبر من النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً “فيسبوك”.

وسرعان ما خرج أبوزيد معقباً ومصححاً على ما راج في مواقع التواصل، قائلاً إن “السؤال ورد للمجمع بخصوص زواج الرجل من دون علم زوجته الأولى، هل يعتبر زواجاً سرياً؟ فكان الإفتاء بأنه لا يعتبر زواجاً سرياً ما دام هناك شهود ولا يشترط إعلام الزوجة الأولى بالزواج”، وناشد أبوزيد “ضرورة تحري الدقة في نقل الفتاوى لأنها لا تتحمل الخطأ ويترتب عليها العديد من أمور الحياة”.

سوء تفاهم

الأمين العام لمجمع الفقه عادل حسن حمزة قال “لم نذكر كلمة سر، وكان السؤال هل زواج الرجل من دون علم الزوجة الأولى يعتبر زواجاً سرياً؟ قلنا لا يعتبر سراً ما دام هناك شهود وإعلان لأنه لا يشترط إعلام الزوجة الأولى”. وأضاف “هذه ليست فتوى من الأصل كما قيل عنها والأمر به سوء تفاهم”، وعن مدى فاعلية التصريح في حل مشكلات الزواج والعنوسة أضاف حمزة “نشر ثقافة تعدد الزوجات هو الذي يسهم في حل هذه المشكلات لا العكس”.

شعور المجتمع

ولم يتقبل المجتمع الفتوى واعتبرها تقليلاً من شأن المرأة، إذ إن حالات تعدد الأزواج في المجتمع السوداني كثيرة، لكنها تجد انتقادات واسعة خصوصاً من السيدات اللاتي يتعايشن مع التعدد.

واستقبل المجتمع الفتوى بامتعاض ورفض تام، مؤكداً أن المرأة من حقها أن تكون على علم بما يقوم به زوجها، وفي حال أباح مجمع الفقه زواج الرجل من زوجة ثانية من دون علم الأولى، فهذا يعنى أن الزوج سيتخذ قرارات تؤثر في استقرار الأسرة.

ورأت الباحثة الاجتماعية هنادي مصطفى أن “مؤسسة الزواج يجب أن يكون الاحترام بين الزوجين فيها متبادلاً، ولا يتحقق هذا الاحترام في حال قام الزوج بالزواج ثانية من دون علم الزوجة الأولى. لأن المرأة بطبعها تريد أن تؤسس مملكة خاصة بها من دون وجود أطراف ثالثة، وفي حال وجدت هذه الأطراف المتمثلة بالزوجة الثانية، فيجب أن يتم الأمر برضا الزوجة الأولى حتى لا يتحول الزواج الناجح إلى صراعات يكون ضحيتها الأطفال في نهاية الأمر”.

وعن مساهمة الزواج المتعدد بحل مشكلات مجتمعية معينة كالعنوسة قالت مصطفى “الزواج من زوجة ثانية لا يحل مسألة العنوسة التي لن تنتهي من العالم بمجرد زواج الرجال ثانية، لذلك يجب ألا يتم خلط الأمور، لأن الدين نفسه قال للرجل إن لم تستطع أن تعدل في حال تعددت الزوجات فعليك بالزواج بواحدة، ونحن نعلم أن العدل أمر صعب تحقيقه بالصورة المطلوبة”. وتابعت مصطفى “يجب ألا نقحم قصص العنوسة وغيرها في تبرير هذه الأمور، زواج الرجل من أخرى من دون علم زوجته، وإن كان مباحاً دينياً فهو غير مقبول أخلاقياً ويخلف مشكلات لا حل لها ويندم الزوج على فعلته عاجلاً أم آجلاً”.

تعدد الزوجات

ولم يتم وضع ضوابط معينة لتعدد الزوجات في السودان كبعض الدول، بل يؤيد المجتمع السوداني التعدد وتشجع الحكومة الأمر ويدعو إليه مجمع الفقه بين حين وآخر.

وفي هذا السياق قالت المحامية سوزان عبدالقيوم إن “تعدد الزوجات في السودان من الأمور الشائعة والمرحب بها، ولا يعاني الزوج أي تعقيدات عند الإقدام على الزواج من ثانية، ولكن حينما يتم تشجيع الأزواج على عدم إخبار زوجاتهم عن زواجهم من أخريات فهو وإن كان صحيحاً قانونياً إلا أنه سيخلف مشكلات يصعب حلها مستقبلاً، وسينتهي معظم هذه الزيجات عن طريق المحاكم”. وأضافت عبدالقيوم “يمنع القانون السوداني الزوج من الزواج بثانية في حال وضعت الزوجة الشروط في عقد الزواج. وتعتبر الإشارة الركن الأساس والأكثر أهمية في عقد الزواج”.

غضب نسوي

وأثارت الفتوى غضب المدافعات عن حقوق المرأة، واعتبرن أنها سعي واضح للنيل من كرامة النساء والتقليل من قيمتهن. وقالت الناشطة النسوية والحقوقية سلمى سعيد إن في هذه “الفتوى نوعاً من التناقض، ومجمع الفقه يسعى دائماً إلى أن يظهر لنا بوجه ذكوري مضطهد للنساء”. أضافت “النساء السودانيات في حال صراع مستمر مع المجتمع الذي يقدم للرجل كل شيء على طبق من ذهب حتى وإن كان يضر بالأسرة، وهذه الفتوى ستنشر ثقافة الزواج السري مما يهدد استقرار أسر كثيرة كانت تعيش بسلام”.

وتابعت سعيد “لا أقبل الفتوى بل أعتبرها نوعاً من التطاول على النساء في الوقت الذي تحتاج فيه السيدات إلى قوانين تساعدهن على الاستقرار أسرياً ونفسياً، خصوصاً أن المجتمع لا يقدم لهن الدعم الكافي ولا يرعاهن بالصورة المطلوبة، لذلك سنقوم بمناهضة أي فتوى أو قانون أو حتى شعارات تسعى إلى الانتقاص من كرامة السيدات”.

في المقابل، رأت القانونية حنان حسن أن “مسألة الزواج من امرأة ثانية وردت في العديد من الفتاوى الحديثة المتعلقة بإعادة تفسير الآية التي تدعو إلى هذا الأمر في ظل اشتراط محدد، وهي أن تكون المرأة أرملة وغيرها من الشروط التي تضيق حدود حرية التعدد”. أضافت حنان في ما يتعلق بالإشهار أن “الإشهار من شروط صحة الزواج ولم يقصر الشرع الإشهار على الزواج الأول أو الثاني، ففي كل شروط صحته الإشهار، لأن الدين الإسلامي في الأصل يدعو إلى التعارف والتداخل لا للسرية والكتمان، فالسرية دائماً ما تكون للأشياء التي لا تستحب معرفتها أو الكشف عنها”.

أما عن رأي الفقهاء فقالت حسن “بعض الفقهاء ألزم الزوج الذي يرغب بالزواج أن يفدي امرأته بعوض لتقبل بهذا الزواج، وهذا يعني أنه لم يفت أحد بالسرية إلا مجلس فقهاء السودان، ونبي الإسلام والصحابة والسلف عددوا، ولم تكن هناك زيجات سرية، وهذا ينافي الفتوى المذكورة، بينما من موجبات الطلاق للضرر أن تطلب المرأة الطلاق لزواج الزوج من أخرى من دون رضاها، فكيف نسلب منها هذا الحق بفتوى السرية؟”.

إسراء الشاهر
إندبندنت عربية

Exit mobile version