قُلنا في مقالينا (1) و(2)، إنّ القاهرة هي أهم بلد بالنسبة للسودان، وأي عمل أو نشاط سياسي لا بد أن يكون لمصر دور فيه، لمتانة العلاقات السودانية المصرية وقدمها، وقلنا إنّ مصر أُبعدت عن الملف السوداني بعد قيام الثورة وصار الملف تتحكّم فيه الرباعية والآلية الثلاثية، يتحكّم فيها الألماني فولكر، وصار السودان تحت رحمة فولكر والأمريكان والانجليز والإمارات، وصارت قحت ناقص هي المسيطرة على المشهد، “وهم سايقين السودان سواقة الخلا”، وجعلت السودان مسرحاً لعمل المخابرات الإقليمية والدولية، بل جاءت قحت ببرنامج ضد السودان وقيمه وأخلاقه ودينه، بزعم تفكيك النظام السابق وتطهير السودان من الفلول، وجاءوا ببرنامج علماني ليبرالي يمحو الدين والقيم والأخلاق، وظهرت في المسرح كل نطيحة ومتردية، بل ضُيِّق على السودانيين في المعاش، وقدل الورل في شوارع الخرطوم، حتى ظن الناس أن استعماراً جديداً حلّ بالخرطوم، فاستطالت رقاب الرباعية، وبدا لكل صاحب بصيرة أن هؤلاء الأربعة وخامسهم فولكر، قد حصلوا على السودان بشهادة مِلك حُر، حتى صار فولكر يطرد الصحفيين السودانيين في عقر دارهم، وبدأ أكثرية السودانيين الاستعداد للمواجهة، وخاصّةً بعد توقيع الاتفاق الإطاري وقيام الورش التي تُجسِّد الديكتاتورية بكل معانيها، بل بعض الورش اصلت إلى حكم الزندية والحكم خارج القانون، بل تسييس القضاء والنيابة وتفكيك الجيش والشرطة والأمن، حتى حمل كل سوداني حرابه وكتابه استعداداً للمواجهة.
وفي هذا الظرف، دخلت مصر في خط الأزمة بعد أن فشلت الثلاثية والرباعية، وبصفة خاصة فشل فولكر وجون غودفري، وانتبهت الإدارة الأمريكية وشعرت بخطورة الأمر، وأدركت قيمة مصر وأهميتها في المشهد السياسي، جاءت المبادرة المصرية ومضمونها دعوة الفرقاء في السودان لحوار سوداني سوداني شامل وجامع لكل الطيف السياسي في القاهرة، لمناقشة قضية الفترة الانتقالية دون عزل وخارج الرباعية، ودور مصر تسهيل جمع الفرقاء دون الدخول في الحوار ومواضيعه.
وهذه المبادرة وجدت قبول أغلب الفرقاء السياسيين، وقد يكون هنالك اعتراضٌ من بعض القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وخاصةً العلمانيين، والذين لهم علاقات مع السفارات الغربية، ولكن لن يستطيعوا رفض دعوة مصر (الدابي الذي في خشمه جراداية ما بعضي).
إذن، قيام الملتقى السوداني في مصر قائمٌ، وفيه الحل. وأعتقد أن مصلحة السودان في الإجماع الوطني والوفاق. كل الذي يجري الآن لصالح دول الاستكبار وقلة من أبناء السودان المرابطين بالسفارات الغربية، والذين عاشوا في خارج السودان وتسربلوا وتلبّسوا بالقيم الغربية، ولذلك فشلوا في تطبيق ذلك في السودان.
عليه، أعتقد أنّ المبادرة المصرية فيها الحل للأزمة السودانية، ولذلك دعوتنا لإخوتنا الموقعين في الاتفاق الإطاري أن نعمل جميعاً للوفاق الوطني، ونترك قضايا العزل، لأن كل الانقلابات بسبب العزل السياسي، خاصّةً وأنّ الوعي عمّ كل أرض السودان، وسيطرة النخب على حكم السودان انتهت، ولا مجال لأقلية تحكم أغلبية إلا عبر صندوق الانتخابات، ولذلك نحن في الحراك الوطني رحّبنا بهذه المبادرة، ونعمل مع الجميع لإنجاحها للخُروج من الأزمة في السودان.
صحيفة الصيحة