مصدر: 102 حالة تمت خلال العام الماضي
مواطنون: الظاهرة مخيفة ويجب تفعيل القوانين
مدير معهد الطفل: الإشكالية ليست في القوانين في عدم تطبيقها
لم يخطر على ذهن السيدة “نوال” التي تقطن بأحد أحياء العاصمة السودانية الخرطوم، أن النقاش الذي دار بينها وبين شقيقة زوجها قبل عام سابق ستدفع ضريبته طفلتها الصغيرة “رنا” ذات السبعة أعوام.
روت والدة الضحية لـ(الصيحة)، تفاصيل أصعب يوم مر على حياتها، كادت أن تفقد عقلها بسبب فقدانها للطفلة.
خلاف قديم
فبتاريخ 14 ديسمبر العام 2022م، حضرت إلى منزل نوال شقيقة زوجها التي لم تزر منزلهم منذ عام بسبب خلاف قديم بينها والأسرة، وكانت تحمل في يدها ” علبة “حلاوة وحذاء لـ”رنا” الابنة الوحيدة للأسرة والتي كانت تقضي أوقات المرح واللهو مع قريناتها بالحي.
سردت نوال قائلة: “انتابني شعور غريب بزيارة شقيقة زوجي التي تضمر لي كل الغبن والكراهية لكنني احترمت رغبتها في الصلح لأجل خاطر الطفلة وصلة القرابة التي تجمع بيننا، فلم أتوقع أنها كانت تنوي لنا الشر وإلحاق الأذى” .
لحظة ذهول
حسب رواية الأم: بعد أن تناولت “عمة ” الطفلة ضيافتها همت للمغادرة وذلك قبل حضور شقيقها من العمل، إنما طلبت إبلاغه السلام ثم أسرعت الخطى نحو “باب الشارع”، لحظتها حضرت إحدى الطفلات لتخبر “نوال” بأن سائق “ركشة” حمل ابنتها وهرب، هنا هرولت الأم إلى الخارج يسبقها الصراخ العالي وهي تردد “بتي بتي” بينما لم تحرِّك “العمة” ساكناً وظلت تراغب المشهد في صمت كما لم يهتز لها جفن، بل أستأذنت للمغادرة بحجة موعد مع الطبيب .
ذهول أصاب الأم والجيران في الشارع وهم يبحثون ويتتبعون أثر الركشة دون جدوى، عند عودة الأب بعد ساعة من الحادثة توجه البعض إلى قسم شرطة بالمنطقة السكنية للإبلاغ غير أن الضابط المناوب طلب مضي 24 ساعة، على الاختفاء لتدوين البلاغ .
تأنيب ضمير
قالت نوال، مضت تسع ساعات، على غياب طفلتها، وبعد صلاة العشاء أحضر شاب عشريني الطفلة إلى المنزل وأخبرهم بأن العمة طلبت منه خطفها مقابل مبلغ مالي شرط أن لا يؤذيها وأن يتركها بالقرب من أي مسجد، لكنه شعر بتأنيب ضمير، وتذكر أن لديه أطفال فكان من الضروري إرجاعها، وطلب العفو والسماح من الأسرة .
فيما دعا والد الطفلة رنا إلى ضرورة الانتباه إلى الأطفال، محذِّراً من مغبة غياب المراقبة والمتابعة وأبدى أسفه لتصرف شقيقته غير المسؤول، قائلاً
لـ(الصيحة) لم أتخيَّل للحظة أن تعود الطفلة في وقت وجيز فاللحظات التي مرت عليهم كانت قاسية جداً وجعلته يعيد حساباته في علاقاته مع شقيقته التي قصدت أن “تحرق” قلبهم على طفلة بريئة لا ذنب لها في مشاكل الكبار.
معاناة وألم
أسرة رنا عانت وتألمت ولكن لفترة زمنية محدودة، بالمقابل هناك الكثير من الأسر التي عاشت أصعب اللحظات جراء فقدان طفل أو طفله لم يتم العثور عليهم لسنوات طوال.
يبدو واضحاً من خلال حديث مواطنين لـ(الصيحة) أن اختطاف الأطفال والاعتداء عليهم سواءً جنسياً أو قتلهم أو تركهم في أماكن مجهولة من الأساليب والطرق المخيفة التي لجأ إليها البعض وتفشت مؤخراً في المجتمع السوداني بدافع الانتقام مما يتطلب تحركات سريعة وتفعيل القوانين التي تقضي على الظاهرة بالكامل .
ضوابط صارمة
يقول ماجد عباس، هناك العديد من الجرائم ارتكبت ضد أطفال والسبب أحياناً الانتقام من الكبار، يؤكد أنها ظاهرة مخيفة جداً تستدعي الطرق عليها إعلامياً باستمرار.
فيما قال طه أيوب، إن اختطاف الأطفال أصبح أسلحة خطيرة اتخذها البعض لتصفية الحسابات مع آخرين، وقال لـ(الصيحة) أنه لاحظ ذلك من خلال عدد من الأحداث والأخبار المتداولة في الصحف والأسافير، مناشداً السلطات وضع ضوابط صارمة لحماية الأطفال .
تفعيل القوانين
في السياق كشف مصدر حقوقي لـ(الصيحة) عن (102) حالة إعتداء على أطفال دون سن العاشرة تمت خلال العام الماضي بدافع الانتقام .
وحذَّر ذات المصدر الذي فضَّل حجب اسمه، من خطورة الوضع وتطور الظاهرة المكتسبة من الخارج، داعياً السلطات إلى إنزال أقصى العقوبات على كل من تسوِّل له نفسه تعذيب طفل مع تفعيل القوانين ووسائل الحماية.
كارثة كبيرة
يقول مدير معهد الطفل الأستاذ ياسر سليم: إن إقحام الأطفال الذين رفع القلم عنهم في الانتقام وتصفية الحسابات يعد جريمة كبيرة وانتهاك كبير لحقوقهم، وأنه أمر “مقزز” والأنكى تبرير البعض بأن الأمر لا يحتاج لهذا التناول الكبير .
متابعاً: لقد تناولت وسائل الإعلام لحدث اختطاف طفلة مؤخراً والاعتداء عليها وهذه لوحدها جرائم خطيرة، حيث ذكر البعض حدوث اغتصاب بينما نفى البعض ذلك، ويرى خطورة الأمر أن كل الجرائم الخطيرة حدثت لطفلة بريئة من أجل تصفية حسابات، واصفاً ذلك بالمصيبة والكارثة الكبيرة.
أولويات وقرارات
يرى سليم، أن تناول البعض لجريمة اختطاف تعرَّضت لها طفلة مؤخراً بصورة غريبة كأنه أمر عادي -أيضاً- لكنه كارثة، معتبراً أن الإشكالية ليست في القوانين، بل الإشكالية الكبرى في عدم تطبيقها وانتشار سياسة الإفلات من العقاب وهذه السياسة هي التي تشجع لمثل هذه الجرائم، هذا بجانب أن الأمر يستدعي تقوية آليات حماية الطفل وسرعة استجابتها في مثل هذه الجرائم .
قال لـ(الصيحة): على سبيل المثال نجد قانون الطفل لسنة 2010م، ينص في المادة (5/2/ ك) على أنه (يضمن هذا القانون حماية الطفل ذكراً أو أنثى من جميع أنواع وأشكال العنف أو الضرر أو المعاملة غير الإنسانية أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أوالاستغلال)، وكما ينص في المادة (5/2/ د) على أن تكون لحماية الطفل ومصالحه الأولوية في كافة القرارات أو الإجراءات المتعلقة بالطفولة أو الأسرة أو البيئة أياً كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها .
عقوبات قاسية
وأضاف سليم، ينص قانون الطفل في المادة (45) على أنه يعد مرتكب جريمة كل من (أ) يختطف طفلاً ويعاقب بالإعدام أو السجن مدة لا تجاوز عشرين سنة، مع الغرامة (المادة86 ه)،(ب) من يغتصب أي طفل يعاقب بالإعدام أو السجن مدة عشرين سنة (86 و)،(ج) و من يتحرَّش أو يسيئ جنسياً لأي طفل يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة، والغرامة (86 ز).
وأردف: كما تنص المادة (47) على أنه يجب على الوزارة اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق التأهيل البدني والنفسي وإعادة الإدماج الاجتماعي للطفل الذي يكون ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة أو التعذيب أو أي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة أو النزاعات المسلحة .
انتهاك وتحريات
وتابع سليم -أيضاً- ينص القانون على آليات حماية الطفل ومنها شرطة حماية الأسرة والطفل والتي من ضمن اختصاصاتها إجراء التحريات في المخالفات والجرائم التي ترتكب ضد الأطفال، اتخاذ التدابير الكفيلة بوقاية الأطفال وحمايتهم من أشكال الانتهاكات كافة وإجراء التحريات ورفعها لنيابة الأطفال، وإجراء التنسيق اللازم مع الجهات ذات الاختصاص لتقديم العلاج الاجتماعي والنفسي للأطفال الضحايا والمجني عليهم.
وقال تنص المادة (55) على أنه ينشأ بموجب هذا القانون خط تلفوني ساخن أو أي وسيلة أخرى للاتصال، لتلقي البلاغات والدعاوى والشكاوى لأي انتهاك لأيٍّ من حقوق الطفل الواردة في القانون (85)، كما تنص المادة (83) أن تكفل الأجهزة العدلية حماية حقوق ومصـالح الأطفال الضحايا وتوفير خدمات المساعدة القانونية والاجتماعية الملائمة للأطفال الضحايا وكفالة حماية سلامة الأطفال الضحايا وأسرهم والشهود الذين يشهدون لصالحهم من التعرض للإرهاب والانتقام .
تشديد عقوبة
وأشار سليم، إلى المنشور الجنائي رقم (4) لسنة 2011م والخاص بالعقوبات المغلظة للجرائم التي ترتكب في حق الأطفال والذي نص على: (1) على المحاكم عند تفريد العقوبة على المدانين في الجرائم المذكورة التي تضمنتها المادة (86) من قانون الطفل لسنة 2010م، مراعاة غاية المشرع من تشديد العقوبات على تلك الجرائم، ومراعاة مدى خطورة الجرم المرتكب، وضرورة التناسب بين العقوبة التي تقررها وبين الحد الأقصى المقرر قانوناً وفقاً للمادة آنفة الذكر.(2) عند تفريد العقوبة على المدان بموجب المادة 45 (أ) أو (ب)، أن تبيِّن في حكمها أسباب عدم توقيع عقوبة الإعدام، متى رأت المصير إلى السجن المؤبد (3) تعطي أولوية النظر والفصل للدعاوى الجنائية المرفوعة تحت مواد قانون الطفل لسنة 2010م، وتعتبر تلك الدعاوى ذات طبيعة مستعجلة.
وأكد بأن الإشكالية ليست في القوانين، بل في عدم تطبيقها والإفلات من العقاب وضعف آليات التطبيق، مما يستوجب ملاحقة الجناة وعدم التهاون مع مرتكبي في مثل هذه الجرائم مهما كان نوع الاعتداء.
انتصار فضل الله
صحيفة الصيحة