يُحكى أن جيشاً أراد غزو بلد ليحتله، وعند مشارف ذاك البلد وجدوا شيخاً كبيراً يحتطب ومعه صبي صغير، قالوا للشيخ بعد أن قبضوا عليه ومعه الصبي، نريد أن نعرف كم عدد الجيش، وممَ يتسلّح، وما هي موارد وثروات هذا البلد، وكم عدد مواطنيه، وما هي مداخل ومخارج هذه المدينة؟
فقال لهم الشيخ اقتلوا هذا الصبي لأحدِّثكم عما تطلبون، لأنني أخاف إن سمع ما أقول ليبلغن أهل البلد ويفضح أمري.
فقتلوا الصبي، وقطعوا عنقه وسالت دماؤه على الأرض، واحتضن الشيخ الحطاب جثة الصبي، وقال للجيش أتدرون مَن الصبي الذي قتلتموه؟ قالوا لا.
قال إنه ابني خفت أن تقتلوني وتضغطوا عليه فيعطيكم ما تريدون عن بلدي.
الآن، افعلوا بي ما تشاءون، لن أقول لكم شيئاً، افعلوا بي ما تُريدون، فاتصلوا بقائدهم، وقال لهم أطلقوا سراحه.
ثم تحدث قائد الجيش مع الملك وحكى له الأمر، فأمره الملك بالانسحاب، وقال له بلد يُضحِّي الأب بابنه لا يُمكننا احتلاله، وإن احتليناه فلن نحكمه!!
أين هؤلاء من وطن يطلب أبناؤه بأنفسهم من المُحتل احتلاله، ويساعدوه في ذلك، ويقاتلوا بني وطنهم من أجل تسهيل مهمة ذاك الغازي ليستعمر بلدهم؟!
بئس الزمن وبئس الإنسان، مع أنّهم يحملون أعلى الشهادات ولكنها رخصة وندل!
رحم الله رجالاً ونساءً أميين قاتلوا واستشهدوا من أجله دفاعاً وذوداً عن حياضه، وقادة عظام بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحريره واستقلاله.. والخزي والعار للذين يعرضون الوطن في سوق النخاسة، سوق الاستعمار الجديد.
الفرق كبير بين الأمس واليوم، فلا الرجال رجال الأمس، ولا النساء.. ولكن رغم ذلك، هنالك وطنيون مثل ذاك الشيخ.
السودان بلد غال وعزيز رغم كيد الدوائر الاستخباراتية الخارجية، وهو وطن يستحق التضحية في سبيله ومن أجله.
مطلوبٌ من الشعب السوداني وقواه السياسية الوطنية والمجتمعية والأهلية أن تجتمع وتعمل إعلاناً سياسياً، وكذلك تحالفاً قوياً يشترك فيه كل أهل السودان الذين يؤمنون أن السودان دولة حرة ومستقلة.. للقيام بالآتي:
١/ مواجهة التدخل الأجنبي الخارجي غير الحميد وطرد كل من يقوم بذلك عبر ثورة شعبية سلمية.
٢/ منع تدخل السفارات ودولها في شأن السودان.
٣/ حشد الشعب السوداني ضد أي عمل نخبوي وصفوي ضد مصلحة كل أهل السودان.
٤/ تصحيح مسار العمل السياسي وجعله خطاً وطنياً خالصاً دون احتكار ولا استعباد.
نصيحتي للإخوان الموقعين على الاتفاق الإطاري، اعتمدوا على الشعب السوداني، لأن التدخُّل الخارجي سيوردكم مورد الهلاك.. وكذلك شاركوا كل القوى السياسية والمجتمعية والأهلية، لأنّ أمر الحكم أمر عام وليس شأناً خاصاً، واحتكار السلطة سبّب صراعاً عنيفاً، وهو الذي ولّد كل الحروب في السودان.
ومعروف أن صعود الهامش يقابله رفض المركز.
وقيادة النخب ولّدت الصراع الذي يجري الآن في السودان.
عليه، لتصلوا الى السلطة بالتراضي أفضل، لأن (حل اليدين أفضل من حل السنون)، لتصلوا إلى عملية سياسية تقود لاستقرار الفترة الانتقالية، يجب شمولها الجميع، إلا من ارتكب جريمة جنائية، وكل الانقلابات التي تمت في السودان وراؤها العزل السياسي.
أما لكي تصلوا المرحلة النهائية، لا بد من الإعلان السياسي وقيام دستور انتقالي، وهذان لن يكتب لهما النجاح دون إجماع وطني، واعتماد ذلك على الشعب السوداني.
وقديماً (قيل ما حك جلدك مثل ظفرك(.
أما نصيحتي لفولكر وسفراء الرباعية، مهما تعملوا اذا لم تشمل العملية السياسية كل القوى السياسية والمجتمعية والأهلية، لن يُكتب لها النجاح ولن تعيش في الأرض سودانية، خاصةً وأنّ السودانيين لديهم حساسية مُفرطة من تدخُّل الأجانب في شؤونهم الداخلية، تاريخ السودان القديم والحديث شاهدٌ على ذلك.
أخيراً.. إرادة الشعب هي الغالبة وثوابت الأمة هي الباقية وما دونهما باطل.
وقريباً جداً إذا استمريتم في نهجكم هذا، سيقول لكم الشعب السوداني مع السلامة.
الشعب السوداني شعبٌ جبّارٌ وقاهرٌ للاستعمار، هزم الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها.
اتعظوا يا أولي الألباب.
صحيفة الصيحة