زهير السراج يكتب: أستاذي لك حبي
* اكتملت الاستعدادات لاقامة حفل التأبين للعالم الجليل البروفيسور( احمد محمد الحسن) الذي انتقل الى الرفيق الاعلى في يوم الخميس (العاشر من نوفمبر الماضي (2022 ) بعد عمر حافل بالاعمال والانجازات الطبية والعلمية، امتد لاكثر من اثنين وتسعين عاما قضى معظمها في البحث العلمي والتأليف والتدريس والتطبيب، ونحت اسمه في ذاكرة التاريخ واشهر المراجع والدوريات العلمية بين كبار وافذاذ العلماء والاطباء في العالم، وجاء رحيله المفاجئ صدمة كبيرة لزملائه وتلاميذه وكل من يعرف قدره ومكانته العلمية السامية واهميته في العمل الطبي والبحثي والأكاديمي الذي ظل مواظبا عليه حتى آخر لحظة في حياته، ولم يبخل يوما واحدا على مريض او تلميذ او زميل بالعون والمساعدة حتى في ساعات راحته!
* استقر الرأى على إقامة حفل التأبين تحت عنوان (ليلة الوفاء والعرفان) في امسية الرابع عشر من شهر يناير الجاري (الساعة الخامسة والنصف) بالقاعة الكبرى بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي كان أول من أسسها وتولى قيادتها في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ويحتوى الحفل على مخاطبات من اسرته الكريمة وعدد من مداء الجامعات وكبار العلماء من داخل وحارج السودان على رأسهم العالمان الجليلان بروفيسور (لارس آفيد) من جامعة كوبنهاجن بالدنمارك وبروفيسور (ديفيد آرنولد) من جامعة أدنبره بالمملكة المتحدة ، بالاضافة الى معرض لانجازاته وكتبه العديدة واوراقه العلمية المنشورة في أشهر الدوريات العالمية، فضلا عن فيلم تسجيلي يوثق لحياته الحافلة، ويشرِّف الحفل الوزير المكلف للتعليم العالي والبحث العلمي بروفيسور (محمد حسن دهب) ومدير جامعة الخرطوم بروفيسور (عماد عرديب) والعديد من مدراء الجامعات السودانية والعلماء والاطباء السودانيين والاجانب وزملاء وتلاميذ الراحل العظيم!
* لمن لا يعرف بروفيسور (أحمد محمد الحسن)، فلقد كان أحد عباقرة السودان والعالم في البحث العلمي، له أكثر من اربعمئة ورقة علمية منشورة في أشهر الدوريات العالمية واربع كتب تعد من اهم المراجع العلمية في جامعات العالم الكبرى، كما كان أحد اكبر الاطباء في علم الامراض (الباثولوجي) وامراض المناطق الحارة، وكان استاذا عبقريا محبوبا وصديقا للجميع ومرجعا للكثير من المؤسسات العلمية والاكاديمية في العالم والسودان، واحد العظماء الذين يستحيل تعويضهم، فضلا عن اعماله الانسانية الجليلة، ويمكن لأي شخص أن يكتشف مدى عظمته ومساهماته في مجال الطب والبحث العلمي بكتابة اسمه على محرك البحث (قوقل)، وسيجد الاف الصفحات التي تنضح بسيرته العطرة واعماله المجيدة.
* ولد الراحل العظيم بمدينة (بربر) في عام 1927، وتوفت والدته بعد رحلة مرض قصيرة وهو في سنوات الطفولة مما جعل ذلك ينحفر عميقاً في ذاكرته، وربما كان أحد الاسباب التي قادته لدراسة الطب، ولقد عرف بالنبوغ منذ سنوات الباكرة، لكن المفارقة أن دخوله للمدرسة كان عن طريق القرعة حيث كانت المدارس قليلة آنذاك ومنها مدرسة (بربر) الآبتدائية التي درس فيها المرحلة الاولية، ثم انتقل لاكمال تعليمه الاوسط والثانوي بمدينة ام درمان والتحق بعها بكلية كتشنر الطبية وتخرج منها في عام 1955 متوجا بامتياز وثلاثة جوائز، جائزة كتشنر وجائزتا الباطنية والجراحة. ونال دبلوم علم الأمراض السريري من جامعة لندن في 1960والدكتوراه من جامعة أدنبره في 1964وكان من المؤسسين لكلية علماء الأمراض الملكية في إنجلترا في 1964 وأول من نال زمالته، وعندما عاد الى السودان واصل انغماسه في مهنة الطب والتدريس والبحوث وقام بنشر العديد من الأبحاث في مجال الأورام والأمراض المتوطنة أهلته لنيل درجة الأستاذية ليكون بذلك أول أستاذ في هذا العلم في 1966والأستاذ الممتاز في 1991.
* صار الفقيد عميداً لكلية الطب جامعة الخرطوم في أزهى فتراتها (1970)، ثم أسس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وشغل منصب الوزير لفترة قصيرة كانت حافلة بالانجازات، ليعود مرة اخرى إلى مقعده خلف المجهر الذي لم يتركه لحظة واحدة حتى فارق الحياة، ومن إنجازاته الكثيرة تأسيس كلية المختبرات الطبية بجامعة الخرطوم، وكلية الطب بجامعة الملك فيصل بالسعودية، ومجلس الابحاث الطبية بالمركز القومي للبحوث ومركز ابحاث المايستوما وغيرها، فضلا عن ابحاثه المتقدمة ومؤلفاته العديدة.
* لقد فقد السودان والعالم بموت بروفيسور (أحمد محمد الحسن) أحد اعظم العلماء والاطباء الذين انجبتهم البشرية على الاطلاق، وكما يقول الكاتب الفلسطيني (مؤمن بسسيسو): “عندما يرحل العلماء تنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات نورها وخيرها في ربوع العالمين”.
صحيفة الجريدة