إلى أين تسير العملية التعليمية في السودان؛ وبالأخص على مستوى (التعليم العالي)؟.. هذا السؤال ظل يؤرق أولياء أمور الطلاب؛ منذ تفجر الثورة المجيدة في 2019م.. مياه كثيرة جرت تحت جسير (التعليم العالي) منذ ذلك الوقت. والسبب هو حالة عدم الاستقرار التي ظلت ممسكة بتلابيب البلاد لثلاث أو أربع سنوات.. بالتأكيد أن الذي حدث على المستوى السياسي من (خلاف وشقاق)؛ قاد لحالة عدم الاستقرار؛ وألقى الفراغ الدستوري بظلال سالبة على كافة القطاعات والصعد؛ وبالأخص حقل التعليم؛ واستقرار الجامعات.
العملية التعليمية تقوم على مثلث أضلاعه ادارات الجامعات بكل منسوبيها ثم الطلاب وأسرهم.. لكن كما هو معلوم ان التعليم يعد المؤشر الأول لقياس مدى تطور الأمم؛ وأي قصور فيه ينسحب كلياً على تطور البلاد.. الأضلاع الثلاثة ينبغي أن تكون الأحرص على استقرار الجامعات؛ وحلحلة مشكلاتها حتى يتخرج الطالب وهو في كامل تأهيله الأكاديمي (نظري وتطبيقي) ليكون رافداً للتنمية والتطور.. والطالب ينفع نفسه ثم اسرته ثم وطنه الكبير؛ ولا اشك لحظة ان استقرار الجامعات وجداولها الدراسية هو (الهم الأول) للأسر وأولياء الأمور؛ مثلما هو (الهم الأول) لادارات الجامعات نفسها؛ ولا يعقل أن تكون أطراف هذا المثلث سبباً في توقف العملية التعليمية أو عدم استقرارها.
خلال السنوات الثلاث الماضية عانت الجامعات السودانية جميعها؛ بلا استثناء من مشكلات عدم الاستقرار؛ وتراكم الدفعات.. ولا يكاد يمر عام دون أن تنشغل الساحة التعليمية بإحدى هذه المشكلات وهي مشكلات في مرمى (الحل).. وإن أصبح الطالب أو أسرته هي (العقبة) أمام استقرار التعليم؛ فان الأمر يحتاج لوقفة ومجهود كبير من الدولة ومن المنشغلين بالعملية التعليمية.
جامعة الخرطوم كواحدة من أعرق الجامعات؛ بل هي (أم الجامعات) السودانية قاطبة؛ أصابها ما أصابها من عدم الاستقرار؛ بسبب الحالة العامة التي أصابت البلاد من أقصاها الى أدناها؛ وكان حري بالطلاب وأسرهم ان يكونوا الأحرص على استقرارها؛ بل أول المسارعين لانتشالها من هذه الحالة.. وبحسب علمنا ان ادارة الجامعة الحالية هي أحرص ما تكون على استقرار العملية الدراسية؛ بسبب ما قامت به من جهود مضنية؛ وسعيها الدائم لايجاد الحلول.. وعلى رأسها أزمة (تراكم الدفعات) التي وضعت فيها الادارة دراسة؛ وستتجاوزها خلال عامين بعد وضع منهج الـ(3) سمسترات بدلاً عن الاثنين في العام .
العملية التعليمية صارت مكلفة جداً بحسابات اليوم؛ بعد أن حررت الدولة الاقتصاد .. وحتى تفي الجامعات بالتزاماتها تجاه العملية التعليمية وتوفير التزاماتها من مرجع وكتاب ومعمل واستاذ؛ فهي بالتأكيد بحاجة الى (المال) .. ادارة الجامعة كونت لجان للنظر في طلبات الطلاب (المعسرين) أو الفقراء.. وقالت الادارة انها لن تخفض الرسوم؛ لكن للجان الحق في النظر لطلبات الطلاب والقرار بشأنها اما تقسيط للرسوم؛ أو اعفاء كامل أو السداد للقادرين؛ كل ذلك حتى لا يكون فقر الأسرة حائلاً دون تعليم أبنائها.
فئة قليلة من الطلاب أبت تلك الحلول؛ والغريب انهم ليسوا طلاب المستوى الأول المعنيين بالتخفيض؛ وأثار هؤلاء (ضجة مصنوعة) لخلق (أزمة) ؛ وحقيقة لا توجد أزمة؛ وهناك قضية وحلول.. ولا احد يذكر مجهودات اللجنة المكلفة التي ربما رأت ان هذا الطالب أو ذاك يستحق أن (يقرأ مجاناً).. ادارة الجامعة قامت بانشاء (صندوق الطالب) الذي قام عليه بعض الخيرين ورجال الأعمال ليفي بهذا الغرض.. ومن الأشياء المعلومة أن الطالب عندما يرشح للقبول بالجامعة يظل في خانة (المرشح) حتى يكمل الاجراءات أو الخطوات الثلاث وهي أولاً اجتياز الكشف الطبي؛ ومن ثم اجتياز المعاينة؛ والخطوة الثالثة سداد الرسوم.. بأي طريقة كانت (مقسطة- أو اعفاء كامل- أوسداد فوري).. ثم ينتقل لخانة الطالب المسجل بالكلية المعنية.
المتضرر الأول من خلق هذه البلبلة هو الطالب نفسه؛ الذي ربما اذا لم يتبع الخطوات المعلن عنها من الجامعة سيفقد حقه تماماً في الحصول على المقعد الدراسي… لأن ادراة الجامعة ببساطة شديدة لن تنتظره الى الأبد.. فاما أن يسدد أو يخاطب اللجنة ويشرح ظروفه الأسرية.
اعيدوا (جامعة الخرطوم) ام الجامعات السودانية الى سابق عهدها؛ تقدماً وريادة بين رصيفاتها في الوطن العربي والعالم.. وذلك لن يتأتى الا بخلق (جو تعليمي) معافى ونظيف.. تتجه فيه كل الأنظار الى تنميتها وتطويرها..
صحيفة الانتباهة