الحراك السياسي بين احتكار الإنقاذ وفوضى ما بعد الثورة

مازال الحراك السياسي يعاني، ومليء بالعاهات والأزمات، فبعد أن تخلص هذا الحراك من قبضة الإنقاذ التي كانت توجهه حسب رغبتها.

فمرة تجعل منه جثة هامدة حينما تحوله إلى جهاز الأمن.
ومرة تفصل له حوارا خاصا بالحركات المسلحة تختار من قيادتها ما يحقق غاياتها.
ومرة تفصله على أحزاب صنعتها بأيديها تأكل منها كما يؤكل صنم العجوة.
ومرة تفصله على الأحزاب التقليدية التي عملت على تقسيمها، فتجلس مع القسم الموالي لها تاركة القسم المعادي جالسا مكسور الجناح عاجزا من أن يجمع أطرافه فهو بين القمع والكبت الذي تمارسه ضده وبين ضعفه الذي وجده بعد تجزئة كيانه.
استلمت فترة ما بعد الثورة حراكا سياسيا هزيلا ضعيفا غير معروف الأصل منه من غير الأصل.
غير معروف الجزء منه من الكل.
غير معروف الضحل منه من العميق.
غير معروف الجديد منه من المصنوع.
وصل هذا الحراك السياسي إلى فترة ما بعد الثورة منهكا مشلولا على عظمة التحدي الذي يواجهه.
فلم يعرف كيف يصد الفلول، ولم يعرف كيف يتعامل مع المرحلة الجديدة بسبب أنه وصلها وهو خال من أي قوة أو طاقة.
مهما يكن من أمر هذا الحراك سواء قبل الثورة أو بعد الثورة إلا أن أسباب معافاته أقرب من بعد الثورة منها إلى من قبل الثورة.
من بعد الثورة يستطيع أن يواجه الأزمات ويتعرف عليها فيكتشفها ويتمرس عليها أما قبل الثورة فهو مغمض العينين والأذنين.
فالحراك السياسي قبل الثورة أشبه من يمسك بمقود السيارة وهو داخل بيته ويضغط على محركات السيارة وهو واقف في مكانه، فهذا لن يأتي يوم سيتعلم فيه قيادة السيارة.
أما بعد الثورة فهو وإن كان يقود السيارة بتخبط وعدم معرفة إلا أن فرصة تعلمه لقيادة السيارة ممكنة ومتاحة.
أذ يمكن أن يتعرف على قيادة السيارة حتى من أخطائه.
الحراك السياسي مثله مثل الكائنات المائية لا يمكن أن يعيش على أرض يابسة.
لا بد أن يعيش داخل الماء.
فالأزمات التي يمر بها أشبه بالماء التي تنمحه الحياة، فكونه عائش وسط الأزمات متفاعل معها منصدم بنتائجها، فهذا الذي يمنحه الحياة، وهذا الذي يمنحه القوة والطاقة على مواجهة الأزمات، والعمل على حلها والتفاعل والتكيف معها.
أما قبل الثورة فهو أشبه بكائن مائي خارج الماء لا يمكن أن يشعر بالحياة.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version