سودانيات يقدن الدراجات لدعم البيئة وحل أزمة المواصلات

يتجمعن في ساحة الحرية بالخرطوم كل أربعاء وتسجيل 700 فتاة بالمبادرة يبشر بالتغيير

لم يتوقع أحد النجاح لإيناس مزمل ورفيقاتها في قيادة دراجات بشوارع العاصمة السودانية الخرطوم، وسط مجتمع محافظ وتقليدي، غير أنهن وبعزيمة وإصرار استطعن أن يجعلن الأمر واقعاً ويجذبن المئات.

“دراجتي لي ولبيئتي” مبادرة سودانية تهدف لتشجيع الفتيات على القيادة بجانب تعزيز نمط الحياة العصري البيئي، بالنظر إلى الفوائد الصحية والاقتصادية.

حصص تدريبية

في ساحة الحرية بالخرطوم تتجمع مئات الشابات يوم الأربعاء من كل أسبوع وهن يرتدين ملابس وأحذية رياضية بغرض إجراء حصص تدريبية والتحكم بالدراجة الهوائية المعروفة محلياً باسم (العجلة) حتى يستطعن السير بمفردهن، من دون مساعدة من الأخريات.

العضوات في المبادرة يتدرجن ما بين مبتدئات إلى متمرسات يحرصن على التجوال في مكان مغلق، لكن مع مرور الوقت تم تنظيم فعاليات في شارع النيل المشهور في الخرطوم.

دعم البيئة

وقالت مؤسسة المبادرة، المتخصصة في مجالات التنمية والحقوق، إيناس مزمل، “شرعت في عام 2016 بالمشروع الذي يعنى بالترويج والتشجيع على استخدام الدراجة الهوائية للنساء لكسر التنميط الجندري ودعم أجندة البيئة والعمل المناخي في السودان بجانب توصيل عديد من الرسائل الثقافية والاجتماعية ذات المضامين الإيجابية المحرضة على التغيير في أوساط المجتمع المحافظ، ونشر الوعي بأهمية تضافر الجهود وزيادة الرقعة الخضراء والحفاظ على العاصمة الخرطوم مدينة نظيفة وعصرية”.
وأضافت أن “المبادرة حلم بدأ يتحقق، كنت أرى أنني أسير في اتجاه خلق تغيير اجتماعي وفتح آفاق جديدة للنساء في بلادي، إضافة إلى المسار نحو بيئة أفضل، وصحة أجود، وحقوق أكثر، ولاقت المبادرة إقبالاً لدى النساء، وسجلت نحو 700 فتاة من مختلف الأعمار والخلفيات والمستويات التعليمية”.

ورأت إيناس أن “السودان بلد يعاني نزاعات وحروباً أهلية ذات منشأ بيئي ونزاع حول الموارد الطبيعية، ولذلك يأتي هذا النوع من المبادرات لخلق فرص حقيقية للفت النظر إلى قضية التغير المناخي، ومضار استخدام الوقود الأحفوري والتلوث وتدني جودة الهواء في العاصمة والولايات، وهو الغرض ذاته الذي من أجله اجتمع قادة العالم في قمة المناخ بمدينة شرم الشيخ المصرية”.

وعند سؤالها عن وجهة نظر المجتمع في المشروع، أجابت أن “المشروع قوبل بردود فعل متباينة بين مكون مدني حقوقي ودولي يرى أن المبادرة تخلق فرصة للتغيير الاجتماعي والمطالبة بالحقوق بطريقة مبتكرة، فعالة وعملية، وبين مجتمع يتسم بالتقليدية والتمسك بالأعراف لا يزال ينظر بحذر لهذا النوع من المبادرات ويتقبلها ببطء شديد، لكن مؤكد أن المشروع سيحدث أثراً إيجابياً على الأمدين القصير والطويل، بخاصة أن القائمين على أمره يسعون إلى نشر الوعي عبر تنظيم فعاليات صحية وبيئية وحقوقية وتنمية”.

فعاليات وجولات

ونظمت إيناس ورفيقاتها في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 جولة “الشهر الوردي” لدعم المحاربات والناجيات من سرطان الثدي بجانب المشاركة في حملة الـ”16 يوماً” لإنهاء العنف ضد المرأة عبر جولات بالدراجة ومشاركات وسائل الإعلام المختلفة.

تضم عضوية المبادرة جنسيات مختلفة، ويشارك المجتمع الدولي في السودان بشكل دوري في كل الأنشطة، خصوصاً هولندا وسفارتها في الخرطوم، حيث تعد داعماً وشريكاً أساسياً باعتبار أنها رائدة في استخدام وإنتاج الدراجات الهوائية ويفوق عددها في البلاد سكان الدولة أجمعين.

وسبق أن نظمت المبادرة جولات صباحية بالدراجات في شوارع الخرطوم بمشاركة السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية في البلاد.

الحد من الانبعاثات

أما المتخصص في الشأن البيئي أحمد الأمين قسومة فقال إن “النقل المستدام أو الوسائل الخضراء مفهوم يشير إلى أي ناقل ذي تأثير منخفض على البيئة، ويشمل غير الميكانيكي، والمشي وتنمية العبور والمركبات ومشاركة وبناء أو حماية أنظمة النقل في المناطق الحضرية ذات الكفاءة في استهلاك الوقود”. وأضاف أن “استخدام الدراجات الهوائية يسهم في الحد من كمية انبعاثات الغازات مع توفير خدمة جيدة للمستخدمين بحرية الحركة وقطع مسافات أبعد بكل سهولة، وحالياً تنشط كثير من المبادرات التي تسعى إلى تنشيط هذه الخطوات من مجموعات شبابية مثل نادي الدراجات السوداني لتعزيز مكانة هذا النمط في التنقل الذي أصبح المفضل في بلادنا للإسهام أكثر في تجربة من شأنها جعل الخرطوم نموذجاً على الصعيد الدولي”

وأشار قسومة إلى أن “مبادرة الدراجات تجد قبولاً كبيراً لأن المجتمع أصبح منفتحاً ومن السهولة تقبل مثل هذه المبادرات، بخاصة إن الدراجة الهوائية ليست وسيلة للتنقل فقط، وإنما أيضاً تسهم في خلق مجال للرياضة المفيدة وتساعد على بناء الأجسام الصحيحة، وتوفير أماكن تجوال آمنة يساعد في تنامي مثل هذه الأنشطة”.

تشجيع الشباب

وبحسب المتخصص في الشأن البيئي، فإن هذه الخطوة ستشجع قطاع الشباب في المراحل التعليمية المختلفة على استخدام الدراجة للتنقل بين مقار سكن المؤسسات التعليمية لأنها توفر لهم الراحة والوقت المهدر في تكبد المشاق ليتحقق كثير من الأهداف لحماية البيئة وتشجيع الرياضة وسرعة الوصول وتقليل الكلفة المادية، وبدورنا ندعو جميع المؤسسات لتوفير الدعم للمنسوبين وحض المجتمع للتفاعل معها وتشجيعها لبناء مستقبل أفضل”.

ومضى قسومة قائلاً، “نظم النقل المستدام تقدم مساهمة إيجابية للبيئة الاقتصادية والمجتمعات المحلية التي تخدمها، ما يمثل ما بين 20 و25 في المئة من استهلاك العالم للطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والغازات الدفيئة من قطاع النقل تتزايد بمعدل أسرع من أي قطاعات أخرى مستخدمة للطاقة”.

أقل عنف وسلبية

من ناحية ثانية، قالت ريان محمد حسن، وهي واحدة من أعضاء المبادرة، “التحقت بهذه المبادرة لإرضاء رغبة قديمة، ووجدت تأييداً من أسرتي، وفي اعتقادي أن الدراجة وسيلة مواصلات مفيدة اقتصادياً واجتماعياً أكثر من السيارات المكلفة والضارة بالبيئة”.

وأضافت، “نسعى لتعميم ثقافة جديدة وتشجيع النساء على استخدام الدراجات الهوائية في التنقل بعيداً من عالم المظاهر والرفاهية وتغيير حياة الفتيات إلى الأفضل لأن الفكرة جاذبة وأسهمت في الترفيه والرشاقة بالنسبة إليهن”.

وتابعت ريان، “أقيم في حي شعبي قد لا يحتمل مشروعنا، لكن تجربتنا في الرالي أثبتت أن ردة الفعل تجاهنا أقل عنفاً وسلبية مما كنا نتوقع”.

ولفتت إلى أن صفحة المبادرة على” فيسبوك” تحظى بنحو 16 ألف متابع، وهو أمر يمثل دافعاً لنجاح الخطط المستقبلية المتعلقة بمناصرة قضايا البيئة.

كفالة الحق

من جهتها، تراهن الباحثة الاجتماعية ميسون الفاتح على نجاح التجربة وإمكانية نقلها إلى الولايات للمحافظة على البيئة واستخدام الدراجات كوسيلة مواصلات في الحياة اليومية والاستفادة منها في ترحيل الطلاب والموظفين من المنازل إلى أماكن العمل.

ولفتت ميسون إلى أن “قيادة الدراجة تمنح الفتيات القوة وتجعلهن قادرات على الدفاع عن النفس حال تعرضن للسرقة أو الاعتداء، بجانب كفالة الحق في ممارسة الرياضة بشكل منتظم، علاوة على كثير من الفوائد الصحية، بما في ذلك حرق السعرات الحرارية وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية وتقوية أسفل الظهر وتحقيق تحسينات كبيرة في اللياقة البدنية والاقتصاد المنزلي وتقليل التلوث في الهواء الذي نتنفسه”.

اندبنذت عربيك

Exit mobile version