شعبنا السوداني الهمام، يعلم تمام العلم أن البلد خلال حقبة ما بعد الثورة قد عانت أشد المعاناة من التدخلات الخارجية، وبالذات تدخل السفارات في الشأن الداخلي، والشعب يعلم أن (الأنوف الطويلة) لأجهزة المخابرات العالمية، قد حشرت أرنبتها في شأننا الداخلي، فهي تتحسس بهذه (الأنوف)، تمهيداً لأبواتها (الغليظة) التي ستأتي في مرحلة الاستعمار الكامل.. حكومة ما بعد الثورة لعبت أدواراً مقدرة في هذا الامر؛ وأسهمت في (الانهزام الوطني) الماثل؛ واستمرت صفوف (العمالة) تتطاول باسم السودان.. فالشعب السوداني يعلم (التدخل الأجنبي) الكثيف لم تكن بدايته بخطاب حمدوك للبعثة الأممية وقتذاك، وليس نهاية له قول أحدهم : (ح نلف السفارات سفارة سفارة) وكذلك ليس ختاماً بـ (تسيير السفارات) لشأننا كما اعترف (الفريق) دقلو.
بين هذه المواقف، جرت مياه العمالة (آسنة)، كمياه الصرف الصحي (المتعفنة)، لتملأ مساحات الوطن النقية، دخلت السفارات بالترغيب والترهيب، وبالتنظير وبالكاش.. وبالتخويف مرة بلاهاي؛ ومرات بقطع (الدعم) – الذي لم يصل قط الى السودان؛ بل قاموا (بحلب) خزينتنا حتى جف ضرعها وما مبلغ الـ (335) مليون دولار ببعيد.
موضوع السفارات؛ بعد أن كان (تهمة- وسبة)؛ تعتلي رأس صاحبها؛ أصبح اليوم له سوقاً رائجة؛ و(اعترافات)؛ وليت الاعترافات جاءت من زعيم سياسي أو شيخ قبيلة؛ أو ناشط.. فقد كان وقعها (أسهل وأيسر)؛ لكن أن يأتي الاعتراف من ممثل رأس الدولة.. فهذا والله شيء (عجاب) لم نره من قبل؛ وما قاله السيد الفريق دقلو يجعلنا نصل لمرحلة اليقين؛ أن البلاد فعلاً معرضة لخطر التقسيم والتشظي والتفتيت؛ ومن ثم السرقة المنظمة من الدول والواجهات والمخابرات والمنظمات والعملاء؛ بألقابهم (السامية والرفيعة).
قال حميدتي: (صحي في تدخلات كان قلنا ما في تدخلات كضبنا- كان قلنا ما مسيرانا السفارات كضبنا- لكن دا بإرادتنا نحن وبطوعنا نحن وباختيارنا نحن).. واستطرد بقوله: (لكن برضو يا جماعة الاتفاق الماشي دا نحن مؤيدنو وماشين فيه دايرين نمرق من الورطة دي).. ثم ختم الحديث بقوله: (عشان كدا موضوع الخارج وما الخارج لو نحن كلنا ختينا يدنا مع بعض واتفقنا مع بعض مافي زول بستعمرنا وبي طريقتنا دي الاستعمار حيرجع لينا تاني لكن بلقانا تحت الواطة ما بلقانا فوق).
الدولة تعترف بأن السودان (مستعمر).. (مسيرانا السفارات).. فهل نستطيع اليوم أن نقول (نحن دولة ذات سيادة؟).. لقد ذهبت (السيادة) مع الريح؛ ذهبت بعد أن تسيد المشهد الناشطون وحاملو (الجواز المزدوج).. ذهبت السيادة يوم كتب رئيس وزرائنا للبعثة الأممية.
ذهبت السيادة السودانية منذ أن قال ذلك المتحدث (ح نلف السفارات دي سفارة سفارة).. ولا فرق الآن بين (اللف والتسيير) الذي قاله حميدتي.. فالبلاد اليوم تسيّرها السفارات؛ وهي التي تحدد لها مساراتها في (الاتفاق الاطاري).. مقطوع الطاري الذي (سيفرتك) هذه البلاد لأجزاء متناحرة.. اذا مضى بذات هذه الكيفية؛ وبعقلية الذين يسيطرون عليه.
رحم الله السودان؛ فقد كان لنا يوماً.. نفرح فيه مع الزعماء الأوائل؛ ونغني (اليوم نرفع راية استقلانا).. يا ترى ماذا نقول في ذكرى الاستقلال المجيد هذا العام ونحن نعلم أن التي (تسيرنا اليوم) هي (السفارات).. والغريبة هذا يتم باختيارنا نحن.. وبيدي لا بيد عمرو.
صحيفة الانتباهة