السفارات بين التسهيل والتسيير
( صحي في تدخلات كان قلنا مافي تدخلات كضبنا، كان قلنا ما مسيرانا السفارات كضبنا .. لكن دا بإرادتنا نحن وبطوعنا نحن وباختيارنا نحن .. لكن برضو يا جماعة الاتفاق الماشي دا نحن مؤيدنو وماشين فيه ) – محمد حمدان دقلو
قد يقول قائل ما الجديد في حديث النائب، وما الخطر فيه ؟ فالكل كانوا يعلمون أن السفارات تتحكم، وأن التسوية المشوهة الجارية من أكبر أدلة تحكمها ..
▪️ إلى ما قبل حديثه كانت هناك إمكانية، نظرية على الأقل، للظن بأن الحكام يقاومون الإملاءات أو لا يستجيبون لها بالكامل، لكن الحديث أثبت أن الأمر يأخذ طابع الإرادة والطوع والاختيار ! ولا أدري كيف جاز للنائب أن يعتبر أن الطوع والاختيار نوع من الدفاع الذي يخفف من وقع اعترافه بالتسيير !
▪️وإلى ما قبل الاعتراف كنا نملك رفاهية الظن بأن حجم التدخلات ربما كان أقل بدرجة عن مرحلة “التسيير” وأقرب إلى “التسهيل”، فلو كان الأمر كذلك، أو قريباً منه، لما احتاج النائب إلى هذا الاعتراف الخطير .
▪️قال النائب ( لو نحن كلنا ختينا يدنا مع بعض واتفقنا مع بعض مافي زول بستعمرنا )، ولا أدري هل المقصود أننا الآن مستعمَرين لعدم اتفاقنا، أو لنقل لعدم اتفاق “الأطراف المتفق عليها”، أم المقصود أن الأطراف المدعوة للتسوية يجب أن تتفق مع البقية على القبول بالتسيير الخارجي بطوعها وإرادتها وإختيارها، وأن تقبل بالأدوار التي حددتها لها السفارات وطرفا الاتفاق، وأن هذا لن يكون استعماراً وإنما مجرد تسيير متفق عليه ؟!
▪️وقال ( برضو موضوع المتاجرة بالدين أبعدوا منو يا جماعة خلونا نفهم قضيتنا، خلونا نعرف عدونا من صليحنا .. خلونا نمشي لي قدام نخت يدنا ننمي بلدنا دي )، لن يكون ملاماً من يفسِّر هذا الحديث بأن النائب يرفض أي حديث ذو طابع ديني لرفض العلمانية ولرفض التسيير من الخارج، وأنه يرى بأن العدو هم من يرددون مثل هذا الحديث، وأن “الصليح” هو الخارج الذي يريد العلمانية ويريد التسيير، وأنه يعتقد أن تنمية البلد تكون باجتماع كلمة كل من يقبلون بهذا !
▪️ بما أن السيد النائب هو صاحب مقولة ( زمن الدسدسة والغتغيت انتهى ) فإن الشفافية تلزمه بأن يسمي السفارات المسيِّرة ليشكرها من يشكرها عن بينة، وليزجرها من يزجرها عن بينة !
▪️في تقديري لا توجد طعنة وُجِّهَت للتسوية الجارية أقسى من هذه التي وجهها السيد النائب، ولولا الثقة بأنه صادق في قبوله بها وبالتسيير الذي يفرضها، لجاز الشك بأنه ربما يريد أن يجهضها بهذا الاعتراف الخطير، وأنه يريد أن يقول للأحزاب والقوى الوطنية التي تنظم مواكب الكرامة إن قضيتكم صحيحة تماماً فالأمر أمر تسيير لا تسهيل، وهو تسيير يقصي كل من يقول له لا !
▪️بعد هذا الحديث لا يستطيع طرفا الاتفاق الإطاري أن يقدما نفياً مقنعاً للتلخيص الذي يقول إن التسوية الجارية قد قامت على فكرة بسيطة : قحت المركزي لديها قناعة بالتأثير الخارجي الكبير على الحاكمين، ولديها قناعة بأنها أكثر تبعيةً للخارج منهم، وبالتأكيد أكثر تبعيةً من أي حكومة مستقلين يشكلونها، إذن طريق العودة إلى السلطة هو ذلك الذي يستفيد من تبعيتها الأكبر ومن التأثير الخارجي على الحاكمين !
▪️ولهذا يمكن المراهنة على أن هذا التصريح لن يجد حظه من انتقادات قادة الطرف الآخر من التسوية المفروضة، ببساطة لأنهم المستفيدون من التسيير الخارجي، وبالتأكيد لن ترى فيه د. مريم الصادق تأكيداً – مؤسفاً – لقولها القديم ( أصبح من المعلوم بالضرورة إنو حكام السودان الآن يتلقون آراءهم وتعليماتهم وتوجيهاتهم من الخارج ). وسوف تكون أقرب لمقولتها التي واكبت التسوية ( العالم يهتم بأمر السودان، لذلك سيخطط لنا، نحن رمانة ميزان، العالم سيخطط للسودان، ما نتهم العالم )، وأن السيد النائب لن يعود قريباً لقوله القديم ( زول مرتبو بتدي ليهو سفارة، في ذمتكم دي ما فضيحة، ونحن نقول ديل وطنيين ؟ ) ..
▪️ إذا اكتملت التسوية المشوهة، فإن أكبر معضلة ستواجه الحكومة القادمة هي فرض هيبة الدولة، إذ لا يمكن أن – بل وينبغي ألا – يكون لدولة التبعية، المفروضة أو الاختيارية، هيبة !
إبراهيم عثمان