تركزت الخلافات، وتعمقت، بين مكونات الساحة السياسية.. ولا نقول (الصراعات)، لان اصل الكلمتين مختلف، (الصراع) يخرج من رغبة (أكيدة) في إلحاق أقسى الضربات بالخصم.. بينما (الخلاف)، احد المبادئ الأساسية في اللعبة السياسية.. وكما قيل قديماً (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية).. في وقت يفسد فيه (الصراع) عشرات القضايا، ويورث (الخصومة) ثم (الفجور فيها).. ويحيل الأطراف الى اعداء، سرعان ما تتطور الحرب الكلامية بينهم، الى (إقصاء)، وربما (اخفاء) من الوجود، وهو الأمر الذي لا نريده أن يحدث في ساحتنا السياسية، برغم وجود أحزاب ومكونات هذا منهجها، الذي أرادت له أن يسود، لتعتلي هي سدة الحكم، وتقود مخالفيها الى السجون والمشانق، و(المحو) من الخارطة السياسية.
بهذه المقدمة نريد أن نتحدث عن (تداعيات) الاتفاق الاطاري، الذي يمضي بين طرفين -فقط- في الساحة السياسية، ولا يضع اعتباراً لبقية القوى السياسية.. باعتراف المجتمع الدولي وعرابه (فولكر بيرتس) عندما قال: لا يمثل الموقعون على الاتفاق الشارع السياسي، وان الشارع لا يثق فيهم.. الاصرار الغريب من قوى الحرية والتغيير، على أن يظل الاتفاق (مغلقاً) هو الذي سيقود الى تعميق الخلافات، وربما وصولها لمرحلة الصراع غير المرغوب فيه.. بالأمس في (منبر الانتباهة) تحدث الأستاذ شهاب الطيب القيادي بقوة الحرية والتغيير، وكان المنبر بعنوان ( تداعيات الإطاري) أكد شهاب أن الاتفاق غير مفتوح مطلقاً، لان أطرافه محددة مسبقاً، وبذلك تكون قد تطابقت رؤية شهاب مع ( جعفر حسن- والفكي) ، بينما فهم الناس حديث الواثق البرير للانتباهة بشكل مختلف.. تأكيدات قوى التغيير على الأطراف حديث (نهائي).. ايضاً تصنيفها القوى السياسية، يعتبر (نهائياً) .. وهذا يعني أن الاتفاق لن يقبل اطرافاً أخرى تشارك برؤيتها فيه.. ولا يقبل تعديلاً ولا إضافة.. هذه الحقيقة تعمق الخلاف، وتقود لمراحل الصراع.
مراحل الصراع المتوقعة، تفتح السيناريوهات على أشدها لتقسيم السودان، وفق المخططات الاجنبية، وبروز الدور الأجنبي في الاتفاق الاطاري يأتي مفسراً لكل المواقف السياسية الماثلة اليوم.. يريد (الأجنبي) أن ينصب طرفاً سياسياً واحداً لا ثاني له- هو الحرية والتغيير المركزي- يريد أن ينصبه وصياً اوحداً، على السودان، دون اعتبار للآخرين.. برغم أن الحرية والتغيير، لا تمثل أهل السودان، ولا تمثل الشارع، وتريد أن تتسلم السلطة بلا تفويض انتخابي، أو شعبي.
د. الجزولي قال في (منبر الانتباهة) إنه لن يعترف، كما لن تعترف الأطراف الاخرى- باي حكومة تتسلم السلطة دون تفويض (شعبي أو انتخابي)، أو توافق كامل.. وأنه إذا سلم المكون العسكري السلطة لأي طرف دون هذا التفويض يعتبر ذلك (انقلاباً)، لا يعترفون به.. عندما قال د. الجزولي هذه العبارة، تذكرت تصريح السيد محمد الفكي، الذي أكد فيه أن (الاتفاق الإطاري) سيأتي برئيس وزراء أكثر (تفويضاً) من الذي تأتي به انتخابات.. تخيل أن يكون أحد منظري الاتفاق، وعضو سابق بمجلس السيادة يقول مثل هذا الكلام.. وهذا لعمري يعيدني لتصريحات سابقة للدكتور الجزولي قال فيها: إننا لن نقبل بأن نزيل (ديكتاتورية عسكرية مستبدة) ونستبدلها بديكتاتورية ( مدنية أكثر استبداداً).
الاتفاق الاطاري يؤسس لهذه الديكتاتورية المدنية، التي رفضت التواضع للعملية السياسية وآلياتها المعروفة، وهي الانتخابات، أو التفويض الشعبي/ الثوري.. الذي فقدته بعد أن وضعت يدها في يد العسكر.. ما يمضي اليوم من سير حثيث لفرض الاتفاق الاطاري، يسهم في تفتيت وحدة البلاد، وهو ما يريده الاجنبي، فهل ينبري الحكماء والعلماء من اهل السودان، لوقف هذه (المهلكة).؟.
صحيفة الانتباهة