لأننا شعب طيب وبسيط ومسالم فإن ما حدث لنا بعد ان رفع الزعيم الراحل اسماعيل الازهري له الرحمة العلم بسارية القصر الجمهوري وجلاء الحكم الثنائي لم يكن في الواقع استقلالا بـ (القاف) بل كان استغلالا ب، (الغين) فقد خرج الانجليز ولكنهم تركوا خلفهم الروح التسلطية في من سلموهم مقاليد الحكم من أحزاب سياسية فرقوا بينهم قبل ان يرحلوا .
تلك الاحزاب لم تكن بقدر المسئولية التاريخية وتوجه (لاستغلال) السلطة لتحقيق اهداف حزبية ضيقة و لم تكن (وطنية) في غالب الأحوال فلم يمضي سوى عام ونيف حتى اختلف الحزبان الكبيران(الامة والاتحادي) وعندما عجز عبدالله خليل من تحقيق أهداف حزبه سارع بتسليم السلطة الى (العسكر) فاتحا شهيتهم للسلطة ورغم الحراك الجماهيري المستمر والذي توج بثورة اكتوبر الخالدة الا احزابنا التي لا تعرف ادارة الاختلاف السياسي بدمقراطية عاد فيها الحزب الشيوعي بعد طرده من البرلمان لتسليم السلطة الى جعفر النميري الذي تخبط في ادارة السياسة حتى قادته الحركة الإسلامية الى حتفه بعد تقوية شوكتها بعد اتلافه معها والتي عادت بعد ذلك لاستلام السلطة في انقلاب يونيو واذاقت الشعب السوداني الأمرين طوال ثلاثين عاما ، واليوم بعد تلك التجارب المريرة مازالت احزابنا لم تع الدرس ومازالت تتصارع ويحاول كل طرف فيها الانفراد بالسلطة بينما ينظر العسكر لهم في شماتة المنتصر بينما المهزوم الوحيد هو هذا الشعب الطيب المسكين المسالم .
سبعة وستون عاما والمواطن يدور في (طاحونة) النخب السياسية والعسكر بينما لم يجن من تلك اللحظات الخالدة سوى الاناشيد والوعود الكاذبة بينما يرفض الاثنان معا التصديق بأن جيلا جديدا بمفاهيم جديدة قد فجر ثورة ديسمبر العظيمة للخلاص من كل ويلات الماضي وبناء وطن السلام والعدالة وان الحرية التي يعتقد البعض انه قد نالها برفع ذلك العلم على سارية القصر هي المبتغى.
الوطن لم ينال استقلاله بعد فالاستقلال هو ان تنال حرية التعبير بلا قيود وان تشارك في صناعة القرار الذي لم يزال مستلبا الحرية هي ان تمنح غيرك مساحة معك لبناء وطن متماسك ولكن من يستمع .. فلنغني على اعتبار هذا اليوم هو خروج الحكم الثنائي، ولكننا في واقع الحال لم نستقل حتى الآن ولن نستقل حتى تسقط الدكتاتوريات العسكرية والحزبية معا فقد خرج الإنجليز دون اراقة قطرة دم واحدة وجاء ابناء جلدتنا واسالوا دمائنا طمعا في الحكم.
والثورة مستمرة.
والاستقلال آت لامحالة.
والرحمة للشهداء.
صحيفة الجريدة