ليس صحيحاً ما قاله والي الخرطوم (صاحبنا) أحمد عثمان، ان إغلاق الكباري يأتي لتقديرات أمنية لحفظ أمن المواطن وأمن المحتجين لأن المظاهرات يتسلل اليها المخربون، وليس صحيحاً أيضاً ما ظلت تقوله القيادات الشرطية والأمنية حول أنها لا تستخدم القوة المفرطة تجاه المحتجين، وأن هدفها ليس القمع بل تأمين المقار الاستراتيجية، فالصحيح في كلا الحالين، اغلاق الكباري، واستخدام القوة المفرطة بدلالة وصول رقم الشهداء الى 124 شهيدا ومئات الجرحى، ان الهدف الاساسي من اغلاق الكباري والقمع المميت للمتظاهرين، هو منعهم بأي ثمن وبأي طريقة من الوصول الى القصر الجمهوري الذي يحددونه كنقطة التقاء لمساراتهم المتحركة من المدن الثلاث، وللأسف ما يزال الاغلاق مستمراً والقمع العنيف متواصلاَ، رغم توقيع الاتفاق الاطاري بين بعض المكونات السياسية وقوى المجتمع المدني والمكون العسكري، وهذا ما يفرض على العسكريين اذا كانوا جادين عند توقيعهم على الاتفاق وحريصين على تهيئة كل الاجواء لانجاحه ، ان يكفوا ايدي قواتهم عن قتل المتظاهرين وايذائهم وان يدعو الكباري كلها مفتوحة أمام حركة المرور..
لكن طالما ان اغلاق الكباري عند اعلان لجان المقاومة تسيير موكب مستمرا حتى اليوم، وطالما ان القمع القاتل والمؤذي أذى جسيماً للمتظاهرين السلميين متواصلا حتى اليوم، فلا يعني ذلك سوى أنه فوبيا ظل العسكريون يعانون منها منذ اعتصام القيادة وعملية فضه القذرة، وهي فوبيا مثلها مثل فوبيا ركوب الطائرات وصعود الأماكن المرتفعة ومواجهة الأفاعي والخوف من الموت والظلام الخ، والفوبيا أو الخوف المرضي، هي مرض نفسي يجعل المريض في حالة خوف مستمرة من مواقف ونشاطات لأشخاص واجسام معينة، ويكون المريض غير مدرك تماما ان الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولا يمكن التخلص منه، مما يجعله قلق وغير متزن بتصرفاته، ويظل في حالة خوف متواصل من مواقف محددة يخشى حدوثها أو حتى التفكير فيها، بما يجعل المصاب بالفوبيا يعيش حالة شديدة الحساسية تجاه تلك المواقف،
ولا يستطيع مريض الفوبيا التخلص منه بدون الخضوع لعلاج نفسي لدى طبيب متخصص، وهذا هو تماما ما أصاب العسكريون والانقلابيون، اذ تسبب لهم اعتصام القيادة في حالة مرضية مزمنة، بما شهدته عملية فضه من مشاهد غاية في البشاعة والفظاعة، من دهس وقتل وحرائق وجثث متناثرة لأكثر من مئة شاب، فباتوا وأمسوا وأضحوا يخشون من تكرار أي عملية اعتصام أخرى، ولهذا يعمدون لاغلاق الكباري ويتعمدون ممارسة أقصى درجات العنف لمنع المتظاهرين والحيلولة دون وصولهم الى القصر الجمهوري، ولعله بسبب هذه الفوبيا سيظل هذا المشهد يتكرر كلما انطلقت دعوة من لجان المقاومة لتنظيم تظاهرات أو وقفات احتجاجية، حتى لو لم تكن وجهتها النهائية القصر الجمهوري، ومن أبرز دلائل هذه الفوبيا أنهم يسمحون لزواحف النظام البائد ولجماعة الجد والجزولي، ان يتظاهروا وتلعلع مايكرفوناتهم بكل أريحية بل وتحت حراسة الشرطة، فلا قمع ولا اغلاق كباري، وحتى جماعة الكتلة الديمقراطية اذا قرروا الخروج في مسيرة سيجدون كل الرعاية والعناية، أما اذا قررت كتلة التغيير الجذري اخراج مسيرة باسمها فلن تجد غير القمع المفرط القاتل وقبل ذلك اغلاق الكباري..
صحيفة الجريدة