(1)
بعد ايام قليلة او بعد ساعات معدودة سوف نحتفل بـ(67) عاماً من استقلال السودان. لا اعرف في هذا التاريخ هل نحتفل باستقلال السودان ام استغلال السودان؟ – الاكيد ان الحكومات الوطنية افسدت ونهبت في هذه البلاد اكثر مما افسده ونهبه المستعمر الدخيل.
اذا احصينا عدد القتلة برصاص الحكومات الوطنية سوف يكون اكثر من عدد الذين قتلوا برصاص الحكومات التى استعمرت السودان… لن اتحدث عن قتلة الاهمال وقصور الحكومة وعجزها ليموت الناس في وطني بالجوع والفقر والسرطانات والفشل الكلوي وحمى الضنك والنزاعات القبلية التى تشعلها الحكومات ورسوم الدراسة والجبايات.
الدماء السودانية التى سالت من جراء الصراع السوداني السوداني منذ حرب الجنوب حتى وقتنا هذا اضعاف الدماء التى سالت بسبب الصراع السوداني مع العدو الاجنبي.
في حقبة الانقاذ لو كان السودان ترك تحت الحكم الانجليزي او التركي او حتى الاسرائيلي ما كان حدث في البلاد ما حدث فيها خلال (30) سنة .. كانت (الانقاذ) لا ترى غضاضة في ان تقتل من يعارضها بضرب (مسمار) على رأسه .. حتى وان كان ذلك المعارض (طبيباً) لم يحمل سلاحاً على الحكومة.. لم يقتل ولم يسرق… هذا امر لا يفعله العدو الاسرائيلي.
نتحدث هنا عن الدكتور علي فضل الذي قتل بصورة (وحشية) من الحكومة .. قتلته الحكومة بقياداتها الاولى وطريقتها التى تفكر بها وهي ترفع شعارات الدين وتدعو للفلاح والصلاح والجهاد .. مثلما حدث في اعدام (28) ضابطاً في شهر رمضان .. لم تتفضل الحكومة لذويهم بالأماكن التى قبروا فيها وبعضهم دفن فيها وهو حي تتحرك انامله.
حكومات الاستعمار لا تفعل ذلك.
لن اتحدث عن الشهيد الطالب محجوب التاج محجوب لأنه حمى زميلاته في حرم الجامعة ولن اتحدث عن الشهيد الدكتور بابكر عبدالحميد لأنه شارك في الموكب من اجل ان يسعف المصابين .. لن اتحدث عن الطريقة التى قتل بها الشهيد (المعلم) احمد الخير وهم يتبادلون الادوار في تعذيبه حتى قال مدير الشرطة في ولاية كسلا انه مات بالزبادي المسموم.
الانجليز عندما قتلوا البطل عبدالقادر ود حبوبة .. حاكموه .. وان كان ذلك بصورة (شكلية) ، حيث حوكم البطل ود حبوبة في الكاملين في المركز الذي به محكمة الكاملين الآن. ونفذ حكم الإعدام على ودحبوبة نهاراً جهاراً في قرية مصطفى قرشي بعد أداء ركعتين .
أياً كانت الطريقة التى حوكم بها .. ذلك افضل من ان تغرس (مسماراً) في رأس طبيب .. او تصفي (28) ضابطاً بالرصاص في جنح الليل ليشهدوا تصفية بعضهم البعض ويجهل من بعد ذلك ذووهم قبورهم.
قبر البطل عبدالقادر ود حبوبة الذي اعدم في صباح يوم الأحد 17 / مايو 1908م معروف ،وقبور الضباط الذين اعدمتهم حكومة الانقاذ في شهر رمضان ما زالت مجهولة .. والبشير يتحدث من بعد ذلك عن انجازاته متمثلة في (تعلية) خزان الروصيرص.
(2)
وجب علينا جميعاً في هذه الايام ان نعتذر لهذه البلد ، فقد ارهقناها بصراعاتنا وأنهكناها بخلافاتنا – قدمت لنا كل شيء ولم نقدم لها غير (تعلية خزان الروصيرص) وأمريكا روسيا قد دنا عذابها.
لا نعفي انفسنا من قصورنا وإجحافنا في حقها – كلنا شركاء في ان يمنحنا الوطن كل هذه الثروات والخيرات ولا نفعل غير ان نتصارع عليها .. لنضيعها ونضيع من بعدها.
لا اعفى من ذلك القصور إلّا الشهداء .. والشباب الذين هم في الشارع الآن ، بعد ان استطاعوا خلق ألفة مع الرصاص والغاز المسيل للدموع من اجل غد مشرق.
احزابنا ما زالت تأكل في لحم بعضها ..
البشير قال انه فخور بالعدد الكبير للجامعات في حقبة الانقاذ .. لم يحدثنا البشير عن عدد الجيوش التى انشأها وزرعها وهو رئيس لتصبح في تكاثر عددي مستمر حتى بعد سقوط نظامه.
لم اجد سوءاً اعظم من الاحتفاء بتكوين جبهة عسكرية او مجلس اعلى قائم على نعرة قبلية.
ماذا تريدون ان تفعلوا بوطنكم اكثر من ذلك ؟ – انكم تمثلون به وتمزقونه ارباً ارباً – اذا منح (ابليس) مقاليد السلطة في هذه الايام لما فكر لكم بالسوء اكثر مما تفكرون الآن لوطنكم.
اظن ان (الشيطان) نفسه كان سوف يعتذر لهذا الشعب العظيم ويبكي وينتحب حتى ترتعش اطرافه وتضطرب وانتم تفاخرون بعد (30) سنة بتعلية خزان الروصيرص.
لو قدر لتعلية خزان الروصيرص ان تتكلم لندبت حظها بما اعتبرتموه فيها (انجازاً).
(3)
كنا نحلم ان نتنافس في هذا الوطن بأصوات المصانع لا اصوات الرصاص. نحارب فيه بالمزارع لا الكتائب ، بالفضائل لا الدسائس… بالأعمال لا الشعارات.
هذه الثروات لو عملنا لتمنيتها .. لأصبحنا سلة غذاء العالم … لا سلة دماء العالم. لو زرعنا لملكنا قرارنا وما كنا سنكون في حاجة الى صندوق النقد الدولي او الامم المتحدة.
نحن فقراء في وطن غني .. تتنوع فيه الثقافات والمناخات وتتعدد فيه السهول والمرتفعات وتتلون فيه المياه بين الانهر والبحار .. منها ما ينبع من الارض ومنها ما ينزل من السماء.
في الخرطوم يلتقي النيل الابيض مع النيل الازرق ونفترق نحن في مجمع البحرين.
اعطاكم الله سبحانه وتعالى ثروة حيوانية متنوعة من ابل وبقر وضأن فلم نحسن رعايتها .. فاعطانا ارضاً خصبة يتفجر من الحجر ماء ومن الصخر زرع فلم نبال بذلك.. اعطينا (النفط) فتصارعنا حوله حتى انفصلنا .. منحنا (الذهب) فنهبناه.
هل تنتظرون بعد كل هذه الثروات (منحة) من قطر و(قرضاً) من السعودية و(وديعة) من الامارات ؟ عار علينا ان ننتظر ذلك في حضرة هذا الوطن العظيم.
الخجل علينا واجب وقد كدنا ان نهرم به.
قادة الانقاذ كانوا يجاهدون بالطلائع .. وينغمس شيوخهم في التجارة والسلطة والزيجات مثنى وثلاث ورباع.
كانوا يقاطعون امريكا والسعودية والإمارات والكويت ويستولون على (الاغاثات) التى تأتي منها في فصل الخريف.
وطن قدم لكم خليل فرح وعلي عبداللطيف وود حبوبة والأزهري وجكسا ومحمد وردي وعثمان حسين والطيب صالح وعبدالله الطيب والدوش ومحجوب شريف وابوعركي البخيت .. ماذا تريدون منه اكثر من ذلك؟
لو امطرت السماء (ذهباً) لما وجد منه ديوان الزكاة (وقية) واحدة او (مثقال ذرة) في ظل صراعات الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة حوله.
انها تمطر ولكنهم ينهبون.
(4)
بغم
في السودان الحكومة لا تمنحك (سمكة)، ولكن تعلمك كيف تأخذها منك ؟ عندما تصطادها.
وهذا هو عين ما يفعله جبريل ابراهيم الآن.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة