لا يبدو غريباً مشاهدة مجموعة من السودانيين يتصدرون مائدة تتكون من الجراد المشوي في إحدى ضواحي الخرطوم، بعد أن أصبح الجراد وجبة مستحدثة نسبياً لعدد لا يستهان به من سكان العاصمة بخاصة الفئة الفقيرة، لكنها ذات إرث وتاريخ في مناطق دارفور وكردفان غرب البلاد.
عرف المجتمع السوداني تناول الجراد منذ وقت طويل، إذ ارتبط بمعرفتهم بفوائده وما يزخر به من قيمة غذائية عالية، وعلى رغم التهديدات المباشرة من خطورة تناوله كوجبة غذائية لاحتمال تشبعها بالمواد السمية في إطار حملات المكافحة الدورية، نظراً إلى تهديده المحاصيل الزراعية.
وجبة مفضلة
تقول السيدة نفيسة، في العقد الخامس من العمر، وتعمل بائعة جراد بضاحية أمبدة غرب مدينة أم درمان، إن “وجبة الجراد أصبحت مفضلة لكثير من الأسر السودانية بفضل انخفاض سعرها وقيمتها الغذائية العالية، لكنها كوجبة لم تكن مألوفة، خصوصاً في العاصمة الخرطوم قبل عقد من الزمن، فاليوم بات من السهل أن ترى الأطفال يتناولون وجبة الجراد بشراهة”.
وأشارت إلى أنها تطهو الجراد بواسطة الغلي بالزيت بعد تتبيله بواسطة التوابل المخصصة له، وأن بعض الزبائن يفضلونه مشوياً، كما أن هناك من يتناولونه كحساء بجانب بعض التوابل، لافتة إلى أنها تجد مكاسب كبيرة من بيع وجبة الجراد بعد أن تخلت عن مهنتها السابقة في بيع “الآيس كريم” التي أصبحت مكلفة ويتوقف بيعها في فصل الشتاء.
نعمة أم نقمة
على رغم التحذيرات التي تطلقها السلطات الرسمية في كل عام من تمدد أسراب الجراد بالسودان قادمة من الحدود الشرقية والغربية، بما يهدد آلاف من المشاريع الزراعية، ينشط من يعمل في اصطياد وتجارة الجراد باعتبارها موسماً للكسب المالي.
وبحسب آدم حسن الطيب، الذي يعمل تاجراً في سوق أم درمان، فإن تجارة الجراد أصبحت رائجة خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد نزوح أعداد كبيرة من مواطني إقليم دارفور وكردفان للعاصمة.
وأشار الطيب إلى ارتفاع سعر جوال الجراد إلى 45 ألف جنيه (80 دولاراً)، وأن معظم زبائنه من النساء اللاتي يقمن بإعداده بواسطة التوابل والليمون وشوائه أو قليه بالزيت، ومن ثم تغليفه وبيعه مع المكسرات “الفول السوداني واللب” بجانب مطاعم أخرى تقدمه كوجبة منفصلة مع السلطات وثمار المانجو.
ولفت إلى أن هناك طلباً كبيراً على الجراد في الأسواق المحلية والخارجية، خصوصاً السعودية واليمن ودول أخرى، إذ توجد حركة نشطة في تصديره إلى الخارج بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل خلال السنوات الماضية.
ونوه الطيب إلى أن هناك كثيرين من الذين دأبون على تناول الجراد ويعتقدون أنه يقيهم شرور عديد من الأمراض ويخفف من وطأتها ويقلل من مضاعفات مرض السكر وضغط الدم.
زيادة تكاثر
في السياق ذاته أوضح الخبير في علم الحشرات حسن الطيب الأمين أن سرب الجراد الواحد قد يغطي من 10 كيلومترات مربعة إلى 100 كيلومتر مربع بكثافة 50 مليون حشرة لكل كيلو متر مربع، ويتم في السودان سنوياً محاربة أسراب جراد مماثلة، وفي أحيان كثيرة تقضي هذه الأسراب على أحلام كثير من المزارعين حينما تهاجم محاصيلهم.
ونوه بأن الظروف الحالية من اضطرابات في السودان وإثيوبيا واليمن شجعت على زيادة التكاثر الذي وصفته الفاو بأنه ظاهرة لم تحدث منذ 70 عاماً.
وأشار الأمين إلى أن السودان يستعد لأسراب الجراد بداية من شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام، إذ تنتشر طرق الحصر البيئي في الحدود الجنوبية لفحص الأراضي ورصد أعداد الجراد في هذا الوقت، ويؤدي تساقط الأمطار على سواحل البحر الأحمر الجنوبية إلى توافر الظروف المواتية للجراد كي يضع بيضه في التربة الرطبة.
كما يؤدي تزايد أعداد الجراد في السودان إلى انتشار فرق “الحصر البيئي” التي تعمل باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد والاستعانة بالأقمار الاصطناعية لتحديد المناطق الصحراوية ذات النمو الخضري التي تهطل فيها الأمطار وترتفع فيها درجة الرطوبة التي يحتمل أن يحدث فيها تكاثر الجراد لحصر أعداده واتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحته.
وعن طرق مكافحة الجراد، قال الأمين “تتم بشكل أساسي من خلال المبيدات الحشرية، لكن هناك طرقاً أخرى تشمل استخدام الوسائل البيولوجية”.
يشابه السمك
وتتسق الفلسفة الشرعية مع الفلسفة الطبية والعرفية بأن أكل الجراد ميتاً لا يضر، لأنه يشابه تناول السمك ميتاً لكون بيضهما كثير ودمهما قليل فكأنه لحم مذكى أي منقى منه جزء كبير من الدمن، بالتالي خلوه من البكتيريا الضارة.
كما يوصف الجهاز الدموي في الجراد وبقية الحشرات بأنه نظام مفتوح وليس مغلقاً وهذا يعني عدم احتفاظ الحشرة بالدم داخل أوعيتها الدموية، ومعلوم أن الدم القليل الموجود في الجراد غير مسؤول عن دورة الأوكسجين داخل الجسم ويقتصر فقط على تبادل الغذاء بين أنسجته والجهاز الدوراني.
إندبندنت عرببة