في استقبال مدير مستشفى كنو التعليمي، بمدينة كنو، نيجيريا، تجلس فتاتان.. سوداء قاتلة، وسمراء ممتلئة، وكلتاهما تضجان أنوثة.. حين يجتمع المدير مع د. كمال أبو سن – عليه شآبيب الرحمة – وطاقمه الطبي، كنا ننتظر خارجاً، في الاستقبال، حيث الفتاتين.. كنا فريق تغطية تلفزيوني، يرافق كمال أبو سن، الذي يقوم بعمليات زراعة كلى، لأول مرة في نيجيريا.. المخرج عيسى تيراب، يرحمه الله، والمصور سيف الدولة حسين، وشخصي.. طاقم أبو سن فيه طبيب سوداني، طبيبتان سودانيتان، طبيب بريطاني، وسيستر سودانية.. ولكثرة انشغالات الوفد الطبي، فيما لا يحتاج تغطية، كنا نجالس الفتاتين، ونؤانسهما.. مما خلق جواً من الإلفة، والتقارب.
شايف كيف؟
وكعادة السودانيين، حين يجدون نساءً، نتكسر.. بسبب وبلا سبب.. نحن قوم منبرشون، لا شك في ذلك.. الجميع يعرف.. حتى أن عبد الله محمد خير، شاعر الشايقية، لخصنا تماماً:
بطالع في جمر بيكي وبلاك والع.
غير أني أعتقد أن المتنبئ قال أبلغ من عبد الله محمد خير، في توصيف الرجل “المارق للربا والتلاف”، وأظنهم جميعاً، كذلك، إلا عباد الله المخلصين، حين قال واصفاً حاله:
فما أمر برسم لا أسائله*
ولا بذات خمار لا تريق دمي
شايف كيف؟
حين لمست الفتاتان الانبراش، التكسر، الرقاد، قابلتاه بكل لامبالاة، وبعض غضب مكتوم.. واللامبالاة، الصدود يزيدان معدلات الرشاقة، كما هو معلوم في “سيكولوجية الحنك”، صرنا نكتر المحلبية، نتراشق، قبل أن تواجهنا السوداء القاتلة القوام: “هل أنتم جاودن في هذا؟”.. قلنا “نعم”.. نظرتا إلى بعضهما، قبل أن تستطرد: “ولماذا علينا أن نصدقكم؟ لا يبدو لنا ذلك إلا سخرية منكم، فقط”.. سألتها: لماذا؟ “أنتم من السودان، صحيح؟ والفتيات الثلاث، الطبيبات من ذات بلدكم؟”.. قلنا “نعم”.. قالت: ” ألا تنظرون كم هن جميلات، أجمل منا بما لا يقاس؟ حتى أننا نبدو – مقارنة بهن – مثل الرجال.. كيف تتركون نساءكم الجميلات، أولئك، وتغازلوننا؟.. ذلك مثير للسخرية”..
شايف؟
انتبهت إلى أن الطبيبتين والسيستر كن – فعلاً – جميلات، جداً.. ألوانهن مثل القمح، أو الذهب.. ممشوقات وملؤهن رواء.. قصبات سكر حقيقيات..
ما هذا الذي نفعله؟ ألسن أولى بالتكسر والانبراش؟
المهم..
قرأت، أمس، تصنيف “مجلة المرأة الأفريقية” للنساء الأكثر جمالاً في أفريقيا.. رتب التصنيف ١٦ دولة، أولاها إثيوبيا، وآخرها مصر.. واحتلت المغرب المرتبة ١٤.. ليس من بينها السودان، بل بينها نيجيريا، جنوب أفريقيا، يوغندا، زيمبابوي، غانا، رواندا وغيرها.
ثمة شيء خاطئ، بلا شك، أقر أن تصنيف إثيوبيا في المرتبة الأولى علمي ودقيق وحقاني.. ذلك أنه وافق “تصنيفاً داخلياً” ظللت أحتفظ به لنفسي.. لكن أين ذهبت التونسيات، الليبيات، الإرتيريات، والأهم أين ذهبت السودانيات؟
شايف كيف؟
مع أن الخليجي- ساخراً – يخاطب سودانياً “هدول حريمكم؟ الله يعينكم”، ومع أن عربي الجزيرة حين شاهد اللبنانيات قال لأخيه “والله آ زول نحنا معرسين ولاد عمنا ساااي”، إلا أنني أجد ميلاً موضوعياً جارفاً لتفضيل “الناقل الوطني”، سودانير..
صحيح قد تكون سودانير مؤجرة طيارة، طيارتين.. ما عندها مواعيد.. ما عندها شيء للزول المهتم بيها.. خدماتها سيئة.. باعت أصولها.. لكن تظل مفخرة، مثل الفريق القومي، تماماً..
فليكن الرب في عوننا..
هذا، هذا.. واستغفر الله العظيم لي ولكم.
صحيفة اليوم التالي