▪️ حسابات العقل لا تقدِّم تفسيراً مقنعاً لانحياز العسكريين إلى القوى التي تعتمد في تسويق اتفاقها الإطاري للرأي العام على تعداد التنازلات العسكرية، حتى ضغوط الخارج لصالح المركزي لا تكفي، وحدها، للتفسير. وبما أنه لا بد من تفسير إلى جانب الضغوط، فالأرجح أن يكون التفسير الإضافي إما في تفاهمات سرية أو نوايا مبيتة !
▪️إضافة إلى إقصاء معظم القوى المؤيدة لقرارات أكتوبر أبعد البرهان مساعديه الذين خاضوا معارك صد هجمات قحت المركزي، أما الأخيرة فقد اختارت قادتها الذين تولوا كبر الهجمات ليكونوا قادة التفاوض، والجالسين في الصفوف الأمامية في احتفال التوقيع .. هل للتصرفين علاقة بالهزيمة والنصر أم بالوفاء والغدر، أم بشيء آخر لا نعلمه ولا يسهل أن نعلمه ؟
▪️ ليس من السهل استيعاب إنهاء انقلاب عسكري بواسطة مدنيين، لا سيما مدنيين ليس لهم نصيب من الحراك في الشارع، وإذا اقتربوا من المواكب التي يزعمون إنها تمثل شارعهم شُتِموا وجُلِدوا، هذا النوع من الإنهاء لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الصفقة لا تمثل إنهاءً حقيقياً، أو كان المنتهي ليس انقلاباً !
▪️ ما حدث من خراب في كل شيء وصلت إليه يد قحت المركزي، يجعل الظن بأنها ستصلح الجذر القليلة التي نجت، جزئياً، من مفاعيل كفاءتها القاتلة ضرباً من التدجيل، ومن تلك الجذر الجيش، فقد تركته أحزاب قحت في الثمانينات وهو يرفع المذكرات للحصول على الطلقة والبوت، وعادت إلى السلطة وهي ترى أن من بين أهم بنود إصلاحه تجريده من الشركات التي تغطي انفاقه، والتي ترى فيها كنزها الذي سيعالج فشلها الاقتصادي !
▪️ من عجزهم وضيق أفقهم ومطامعهم وصراعاتهم فشلوا في توحيد كيانهم القحتي، وهم قادة أحزاب الكيان الأقدر على اتخاذ ما يلزم لتوحيده، ومع ذلك يقدمون أنفسهم وكأنهم الأقدر على توحيد وإصلاح جيوش لا يملكون من أمرها شيئاً، سوى أن أحدها له عليها يد تمليكها السلطة، والآخر له عليها يد دعم التمليك على مضض !
▪️ قالت د. مريم الصادق إن عدم الثقة بين مكونات قحت داخل وخارج المركزي من صناعة النظام السابق، لكن السؤال الذي لم تجب عليه : فيما يخص عدم الثقة بين البعث “الأصل” والمركزي، مثلاً، ما هو الطرف الذي استمع إلى وشاية من النظام السابق، أو نفذ خطةً من وضعه ضد الطرف الآخر ؟
▪️ عندما يميز الاتحادي نفسه بتسمية “الأصل”، فإن التسمية يُراد منها فكرة خلاصتها : نحن – لا بقية الأحزاب الاتحادية – أصحاب الشرعية التاريخية، نحن المحافظون على الفكرة الأصلية، وممثلو القواعد، وأصحاب تاريخ الفوز في الانتخابات، فما الذي توصله تسمية الأصل لحزب البعث الذي لا يستطيع أن يكتب ثلاث جمل صحيحة عن شرعيته التاريخية، ولا أن يجتذب الناس بدعوى تمثيله للفكرة الأصلية، ولا أن يأتي على ذكر القواعد، ولا أن يعتز بالصفر الانتخابي ؟ ما الذي توصله هذه التسمية إلى جانب إقناع البعث الأصل في العراق بأنه الفرع الحقيقي حتى لا تتشابه عليه الفروع ؟!
▪️ أعلت قحت المركزي من شأن التيارات التي سايرتها من حزبي الشعبي والاتحادي الأصل ورفعتها إلى المقام الذي يجعلها تحقق شرط التوافق والشمول المطلوب من العسكريين، وبالتالي تفتح طريق عودتها إلى السلطة، ثم هوَّنت منها إلى درجة إختراع تسمية لهما غرضها الوحيد هو تخفيض رتبتها عنها، وعن سائر “المعزومين” إلى كيكة التسوية ! أي شرعية هذه التي يمنحها الهامش السياسي ؟
▪️ تحدث البرهان عن أنهم بقرارات التصحيح في ٢٥ أكتوبر، وبتصحيح هذه القرارات في الإطاري، قد حققوا المشاركة الواسعة الـ( ما ناقصة ناس )، وإذا نظرنا إلى تواضع المشاركة المعنية سنجد أنها كانت متاحة بقليل من الضغط العسكري على المركزي أيام رعبه من ارهاصات أكتوبر دون الحاجة إلى فض الشراكة !
▪️ من عجائب الزمن القحطي أن الإقصاء الذي كان أقوى مبررات فض الشراكة، أصبح هو عنوان عودتها، وبأساليب وأدبيات إقصائية جديدة : تفاوض خاص سري هذه المرة، و”القوى المتوافق عليها” “والأطراف الحصرية للعملية السياسية” و “هندسة العملية السياسية”، والتراتبية الصارمة وفق ( الأدوار التي نراها نحن) ، و”الإغراق”، و”القوى غير الحقيقية”، وتسميات يخترعها طرف لأطراف أخرى ليحدد لها مكانها في أدنى سلم التراتبية ..
▪️ لم يرضخ العسكريون للضغوط الخارجية الشديدة التي هدفت إلى منع قرارات ٢٥ أكتوبر، رغم إن الرضوخ وقتها كان سيبقي على شراكتهم في السلطة، لكنهم رضخوا لضغوط التسوية التي تقصيهم تماماً، وتعطي جزءاً من قحت أضعاف ما أعطتها إياه الوثيقة الدستورية الأولى ! هل للأمر علاقة بمخطِّط خارجي شديد الذكاء أم هو مجرد نتيجة لحالة التيه وعدم كربة القاش؟
▪️لولا إرادة الهيمنة، وروح الإقصاء، وإحساس القزامة، وضعف الثقة بالنفس، والطمع في الكراسي لعلمت قحت المركزي أن من مصلحتها أن تقبل بمن قبلوا بدور الأتباع وطلبوا التوقيع على مشروعها للحكم، ولرأت في تبعيتهم تأكيداً لأبويتها تسعد به لا “إغراقاً” تتوجس منه !
إبراهيم عثمان