السودانيون يترقبون اتفاقاً سياسياً «نهائياً»… وتشكيل حكومة

الخرطوم: أحمد يونس
يترقب السودانيون توصل الأطراف السياسية في السودان إلى اتفاق نهائي فيما بينها، يستند إلى الاتفاق الإطاري الذي وقعوهم مع القادة العسكريين في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما من المتوقع أن يُعرض الاتفاق النهائي على القيادات العسكرية لقبوله أو إبداء ملاحظات عليه، ثم يتم التوقيع، ومن ثم يبدأ تشكيل حكومة مدنية تتولى ما تبقى من الفترة الانتقالية التي تبلغ 24 شهراً من تعيين رئيس الوزراء.

غير أن الآراء قد تباينت بشأن الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من الشهر الجاري، بين التأييد بقوة والمعارضة بشدة والمرجئة لحين التنفيذ. فإلى جانب الموقعين في تحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير» وقوى أخرى، تناقلت تقارير صحافية إبداء العشرات من القوى السياسية والمدنية رغبتها في التوقيع، بينما تمترس معارضو الاتفاق، وهم الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان مقاومة، حول مواقفهم الرافضة للاتفاق. ويجد الاتفاق تأييداً دولياً كبيراً، كما يلقى تأييداً إقليمياً تقف على رأسه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، فيما ذكرت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أول من أمس (الخميس)، أنها ساعدت في التوصل إلى الاتفاق الإطاري بهدف عودة البلاد للمسار الديمقراطي بقيادة مدنية.

لكن الاتفاق، ورغم توقيع الكتلة المدنية الأكبر عليه والتأييد الدولي والإقليمي وإبداء مجموعات مدنية عديدة رغبتها في اللحاق به، لا يزال يواجه رفضاً من قوى ذات طابع يساري. ومن جانبها، تقف بعض الحركات المسلحة الموقعة على «اتفاقية سلام جوبا» موقفاً متذبذباً منه، خصوصاً «حركة العدل والمساواة» بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة «تحرير السودان» جناح مني أركو مناوي. كما يقف الحزب «الاتحادي الديمقراطي الأصل» منقسماً على نفسه من الاتفاق، إذ وقعه أحد نجلي زعيم الحزب، محمد عثمان الميرغني، بينما يعارضه نجله الآخر.

ويخشى تحالف «الحرية والتغيير»، وهو التحالف الرئيسي الذي قاد المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق الإطاري، ما يسميه «إغراق العملية السياسية» بأطراف سياسية «مصطنعة» ولا تؤمن بمبادئ التحول الديمقراطي الحقيقي. ولهذا السبب أعلن التحالف رفضه لكثير من الراغبين في التوقيع، وتمسك بأن القوى «المؤهلة» للتوقيع هي فقط القوى التي خرجت من «الحرية والتغيير»، وعلى وجه الخصوص حزبي «البعث» و«الشيوعي»، وحركتي «العدل والمساوة» و«تحرير السودان»، إضافة إلى حركة عبد العزيز الحلو وحركة عبد الواحد محمد نور، غير الموقعتين على اتفاق «جوبا للسلام».

وقال قيادي في تحالف الحرية والتغيير: «نحن الآن نعمل على بحث القضايا المرجأة من الاتفاق الإطاري ونسعى لتوحيد الرؤى حولها مع أصحاب المصلحة جميعاً».

وقال أيضاً المحامي والناشط السياسي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الناس ملوا الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية واتساع دائرة الهشاشة الأمنية، لذلك أيدت غالبية عظمى من المواطنين الاتفاق». وأضاف: «يسألنا المواطنون العاديون بلهفة عن موعد توقيع الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة، ويرون فيه تحسن الأوضاع الاقتصادية واستتباب الأمن. هم يرون أن سبب سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية هو عدم الاتفاق السياسي».

وأرجع إلياس حالة الانفلات الأمني إلى اختلافات الفرقاء في المشهد السياسي، قائلاً: «الانفلات الأمني ليس نتيجة لغض أطراف في السلطة أعينهم عنه، لكنه من الظواهر الاجتماعية السالبة مثل الجريمة، التي تزدهر بشكل كبير في حالة اللااتفاق واللادولة». وتوقع إلياس انحسار وتراجع الرفض للاتفاق الإطاري بشكل كبير، وقال: «ربما يجد بالتغيير الجذري الشامل أنفسهم بمواجهة تحديات قد تدفعهم باتجاه الاتفاق، لكن كل ذلك رهين بالتوصل لاتفاق مرضٍ، يؤدي لانحسار الرفض في الشارع».

وبدوره قال رئيس تحرير صحيفة «الجريدة» المستقلة أشرف عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الوقت لا يزال مبكراً على الحديث عن نجاح أو فشل الاتفاق، موضحاً أنه «لا يوجد تراجع في مستويات التأييد، فالكثيرون يظنونه مخرجاً يمكن يحق لهم الاستقرار ويخرجهم من الأزمة». وأضاف: «هذا على مستوى الرأي العام الشعبي، أما بين القوى السياسية المؤيدة والمعارضة فالأمر مختلف. الجماهير العامة مهتمة بالاتفاق وتتابعه كإحدى وسائل حل الأزمة، لكن تأييده بدأ يتراجع بين النشطاء السياسيين المؤيدين، فإذا لم يكتمل توقيع الاتفاق النهائي بسرعة، يمكن أن تتراجع عنه حتى بعض القوى الموقعة». وتوقع عبد العزيز حدوث فرز كامل يشمل حتى لجان المقاومة الرافضة للاتفاق والمؤيدة للتغيير الجذري، قائلاً: «الحراك القادم سيكشف قوة معسكر الرافضين. الكتلة الحرجة لا تزال مترقبة ومتفرجة وتنتظر الاتفاق لتتخذ منه موقفاً حاسماً، لذلك لم تشارك في مواكب حاشدة بعد توقيع الاتفاق». أما حواء موسى، وهي عاملة، فقد بدت منهكة ومتعبة واكتفت بالقول: «قد تعبنا وننتظر تشكيل الحكومة. لم نعد آمنين على أنفسنا، ولا نستطيع تلبية احتياجاتنا، نريد حكومة تبسط الأمن وتحسن أحوالنا».

وعلى صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، دعا الناشط السياسي «مهادن الزعيم» الطرفين المؤيد والمعارض، إلى كشف أوراقهم و«كروت الضغط بأيديهم» التي يستخدمونها لينتصروا لموقفهم، ويقول إن الموقعين لا يملكون ضمانات بالتزام العسكريين بتنفيذ الاتفاق، وفي ذات الوقت فإن الرافضين لا يقدمون رؤية موحدة للشارع الرافض للاتفاق.

صحيفة الشرق الاوسط

Exit mobile version