عادت قضية ضرب التلاميذ في مدارس السودان إلى الواجهة مجدداً، بعد نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر معلماً في مدرسة ثانوية يضرب تلميذاً بكرباج، ودفع التلميذ نفسه المعلم بكلتا يديه، ما جعل المعلم يستخدم كرسياً لمواصلة العراك، قبل أن يخرج من الفصل. ورداً على الاستنكار الواسع الذي شهده الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، شكلت وزارة التربية والتعليم في ولاية العاصمة الخرطوم لجنة تحقيق في الحادثة. وأكدت الوزارة في بيان أصدرته رفضها الكامل لاستخدام العنف الجسدي ضد تلاميذ، وحثت أولياء الأمور على التمسك بحقهم القانوني والتبليغ عن أي عنف تجاه أبنائهم، وتقديم شكاوى عبر مكاتب التعليم في الإدارات المحلية. لكن بعد مرور أكثر من أسبوع على الحادثة واتخاذ الوزارة قرار فتح تحقيق، لم تصدر اللجنة أي قرارات أو توصيات.
واللافت أن المعلم المعني بالواقعة التي لقيت تنديداً واسعاً أقرّ بأنه ارتكب خطأ، وأعتذر عما حصل، مشيراً إلى أنه كان في حالة غضب شديد بسبب استخدام تلاميذ هواتف خليوية أثناء الحصة، رغم حظر المعهد إدخالهم هذه الهواتف إلى الصفوف.
ولا تُعد هذه الحادثة الأولى من نوعها. يحكي عثمان سعيد لـ”العربي الجديد” قصة ابنته التلميذة في الصف الثالث ابتدائي، ويقول: “كانت ابنتي متفوقة في كل دروسها وبعيدة كل البعد عن صفات الإهمال، وامتلكت مواهب مثل الرسم وإجادة الخط العربي، وعرفت باحترامها زميلاتها ومعلميها، ثم تعرضت لصدمة نفسية بعدما صفعتها مُدرستها بسبب تأخرها في الصعود إلى حافلة نقل التلاميذ”.
يضيف: “أبلغت إدارة المدرسة أنني غاضب جداً من الواقعة فاتخذت قرار إبعاد المعلمة المعنية عن مهمة الإشراف على حافلة النقل، وأنا أستطيع تقديم شكوى ضد هذه المعلمة لسلطات التعليم كي تكون عبرة للباقين. أعتقد بأن هذا الزمن والظروف لا يسمحان بضرب التلاميذ وجلدهم بسبب آثارها الجسدية والنفسية السلبية الكبيرة عليهم، والأكيد أنه يمكن استخدام وسائل تربوية أخرى أثبتت أنها ناجحة جداً، مثل التشجيع والتأنيب المنفرد والجماعي وغيرها. وأستغرب شخصياً استمرار استخدام العنف الجسدي في المدارس رغم حظره بموجب قانون صدر عام 2010، وانتهاء حكم سيادة القانون منذ فترة، والمدارس لا تخالف فقط قانون منع الجلد وحده، بل قوانين ولوائح أخرى، ويحدث ذلك من دون رقيب أو حسيب”.
في المقابل، تحذر خبيرة علم النفس صفاء الأصم، في حديثها لـ”العربي الجديد”، من “الآثار السلبية النفسية الوخيمة التي يواجهها التلميذ من التعرض لعنف جسدي، وبينها الإصابة بالرهبة والتوحد والخوف الدائم، ما يضع أيضاً حاجزاً بينه وبين زملائه التلاميذ قد يجعله ربما لا يرغب في مواصلة الدراسة، ويتعمد الهرب منها عبر ادعاء المرض ربما، ثم يتحوّل إلى شخص غير فاعل في المجتمع، وقد يتعلم أشياءً أخرى مثل الكذب والسرقة والانطواء”. تتابع: “لا مكان للعقاب الجسدي مطلقاً على قائمة أدوات التربية والتعليم الحديثة التي باتت تعتمد على التأنيب اللفظي غير الجارح أساساً مع دراسة الحالة النفسية والاجتماعية للتلميذ. ومن المهم تأهيل المعلمين عبر إخضاعهم لدورات تدريب خاصة في علم النفس التربوي، وتعيين اختصاصيين اجتماعيين في المدارس”.
من جهته، يرى منتصر محمد النور، وهو معلم في مدرسة ثانوية بولاية الخرطوم، في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “النظر إلى قضية العقوبة البدنية في المدارس يجب أن يكون أكثر شمولاً لمعالجة عملية التعليمي المتدهورة أصلاً عبر تصحيح البيئية الدراسية وتطوير التعليم ما قبل المدرسة، وتحديث وسائل التعليم، وتحسين الوضع المعيشي للمعلم”، نافياً بشدة اعتماد المعلم السوداني أولاً وأخيراً على العقوبات البدنية في عمله، “فهو يستخدم كل الوسائل الأخرى، ويدرك تماماً خطأ العقاب البدني العنيف”.
يتابع: “توضح خبرتي الطويلة في التعليم أن العقاب البدني لم يُعد مجدياً، ولا يحدث تغييراً إيجابياً لدى التلاميذ الذين لا يهمهم كثيراً ما يتعرضون له، ولا يحرصون على تصحيح أخطائهم بعده. من هنا يجب تنفيذ إصلاح شامل في العملية التعليمية والتربوية، مع مشاركة الأسر فيها. وأنا أرفض تحميل المعلم السوداني كل المسؤوليات، في وقت أعتبره بين الأفضل في العالم في ظل عمله في ظروف صعبة، وفي فصول مكتظة مع وجود نقص حاد في عدد المعلمين، وأيضاً داخل مدارس مشيّدة من القش ولا تتضمن 99 في المائة منها بنية للصرف الصحي”.
العربي الجديد