(1)
يبدو ان فصول مسرحية نظام الانقاذ لم تنته بعد، ما زالت فصول المسرحية تترى علينا فاصلاً بعد فاصل… وما ان نظن ان الستار اسدل على نهاية المسرحية نفاجأ بفاصل اخر من المسرحية.
ظهر الرئيس المخلوع امس في محكمة مدبري انقلاب 1989 .. في مشهد درامي (بديع) – فهو من حين لآخر يُوقف استجوابه من اجل قياس (ضغط الدم) في مشهد (عاطفي) و (مؤثر) يفتقد الموسيقى التصويرية، على طريقة الافلام (العربية) القديمة، ثم يظهر تارة اخرى على طريقة الافلام (الهندية) في ثوب البطل الذي يبرئ رفقاءه من التهم الموجهة اليهم، وهم في قفص الاتهام تنفرج اسارير وجوههم عندما يؤكد البشير ان كل أعضاء مجلس الثورة لم يكن لهم دور في التخطيط اوالتنفيذ. هكذا حدث (الانقلاب) لوحده فجأة او حدث (صدفة) او (قضاء وقدر ) او( ظروف) . اعضاء مجلس الثورة كانوا كلهم (صحبة راكب)، من ثم يأتي البشير ويتحدث عن مشاركة ابراهيم شمس الدين وإبراهيم نايل ايدام ومحمد الامين خليفة في (الانقلاب) واجتماعه معهم.
البشير ذهب ابعد من ذلك عندما اكد ترحيب ضباط وجنود القيادة العامة في ليلة 30 يونيو بالانقلاب دون ان يكون هنالك ترتيب وتخطيط معهم.. ثم يمضى البشير ابعد من ذلك ويقول ان الذين قاموا باعتقالهم في بيت الضيافة من قيادات الجيش رحبوا بالانقلاب بعد ان ذهب اليهم في بيت الضيافة ليشرب معهم (الشاي).
على ما يبدو ان ما قام به البشير في الانقلاب حكاه له واحد صاحبه، على طريقة (قصة حدثت لي حكاها لي واحد صاحبي).
نحمد الله ان البشير لم يحدثنا عن (سنه) التى انكسرت عندما كان (طُلبة) يحمل قدح المونة.
(2)
تحدث البشير في المحكمة امس وقال انهم بدأوا في حوارات مباشرة مع القوى السياسية بعد الانقلاب.. وسرد عدداً من الحوارات التى تمت.. وهو يؤكد ان الحوار الوطني مع القوى السياسية بدأ بعد اشهر معدودة من الانقلاب .. لم يحدثنا البشير عن اعدام (28) ضابطاً من القوات المسلحة في ابريل 1990 أي بعد (10) اشهر فقط من انقلاب 30 يونيو.. هؤلاء الضباط الذين تم اعدامهم بدون محكمة او تحقيق ودفنوا في اماكن مجهولة لم توفروا لهم ما وفر لمدبري انقلاب 30 يونيو الآن من قضاء وعدالة وهيئة محامين ونقل مباشر على تلفزيون السودان.. وأطباء يتابعون ويراقبون الوضع الصحي للبشير وهو يحجز في مستشفى خمسة نجوم.
لم يحدثنا البشير عن اعدام القبطي مجدى وطلاب معسكر العيلفون والدكتور الشهيد علي فضل. يبدو ان الحوار الوطني فى فهم البشير هو التعذيب في بيوت الاشباح والقتل رمياً بالسلاح… او بالمسامير او الزبادي المسموم.
(3)
تحدث البشير عن انجازات حكومة الانقاذ – وعدّد الرئيس المخلوع عدد الحكومات في حكومة الصادق المهدي التى وصلت الى (5) حكومات من (68) حكومة منذ الاستقلال وحتى 30 يونيو 1989م – البشير لم يحدثنا عن عدد الحكومات في فترة الانقاذ .. منذ ان كان علي كرتي (منسقاً) في الدفاع الشعبي الى ان اصبح وزيراً للخارجية.
لم يحدثنا البشير عن حكومته التى بدأت من ذهاب الشيخ حسن الترابي الى كوبر حبيساً وذهابه هو الى القصر (رئيساً) الى ان وصلنا مرحلة اصبحت فيها روضة الحاج نفسها وزيرة للثقافة وحسن اسماعيل من البيئة اصبح وزيراً للإعلام.
الرئيس المخلوع لم يتحدث عن حكوماته التى كانت تحت رئاسته وقضى فيها نوابها نحبهم بقصد او بدون قصد – حيث قتل نائبه الاول الزبير محمد صالح في حادثة طائرة وقتل بنفس الطريقة نائبه الاول الدكتور جون قرنق بعد ان جاء للمنصب بعد اتفاقية السلام.
كم حكومة شكلت في فترة الانقاذ حتى يسخر البشير من (5) حكومات كانت في فترة الصادق المهدي؟
لقد عشنا في فترة الانقاذ تحت قيادات حكومات متناقضة.. بدأ فيها الترابي من السجن ثم عاد الى البرلمان ثم اعيد الى السجن.. وكذا الحال بالنسبة لصلاح قوش الذي اتهم بمحاولة انقلاب سجن بسببها بعد ان كان مدير جهاز الامن والمخابرات ثم جاء من السجن ليشغل نفس المنصب الذي كان يشغله قبل اتهامه بمحاولة الانقلاب.
(4)
الانجازات التى تفضل بها البشير على الشعب تمثلت في الطرق والكباري.. كأنه كان يصرف عليها من (جيبه) ، على هذا فان الاستعمار الذي انشأ عدداً من الكباري وأقام خط السكة الحديد ومشروع الجزيرة وكلية غردون وعدداً من الخزانات و …و .. يستحق ان نرفع لهم القبعات.. وان نظل نردد فضلهم الى وقتنا هذا في وضع خارطة (خدمة مدنية) مثالية في السودان.
انجازات البشير تمثلت في (مياه الشرب) تخيلوا ان البشير ونحن في هذا العصر يتفضل على شعب يمتلك اكبر عدد من الانهار في العالم بمياه (الشرب). والناس وصلوا (القمر) !! هذا مثل تفضله علينا بـ(البيتزا) و (الهمبرجر).
اما المضحك فهو اعتبار البشير (تعلية) سد خزان انجاز لهم … في زمن يقوم فيه سد النهضة.
دولة قطر في (10) سنوات اسست دولة كاملة.. تتمتع بكل المرافق على اعلى طراز في العالم.. والبشير بعد (30) سنة يفتخر بطرق بالية وكباري خربة تنخر فيها (الجقور).
(5)
الامر العجيب ان البشير انكر على الاحزاب ممارسة (السياسة) واعتبر ان السياسيين تسببوا في خراب البلاد وضياعها.. لا اعرف ماذا كانت تمارس حكومته على امتداد (30) سنة حكموا فيها السودان؟ .. الحركة الاسلامية ألم تكن تمارس (السياسة)؟ بماذا كنتم تحكمون السودان؟ هل حكمتموه بـ(كتابي الاول).. ربما لهذا عاش السودان في عزلة دولية وضاع حق الشعب في ان يحيا حياة كريمة.
أعلن البشير أمام المحكمة عن مسؤوليته عن أحداث 30 يونيو 1989، قائلاً: “أتحمل كل المسؤولية عما تم في 30 يونيو، وأعلم أن الاعتراف هو سيد الأدلة، وكنت أتابع محاولات هيئة الاتهام بإثبات هذه التهمة بتقديم فيديوهات وشهود اتهام وأسمع واستمتع”… هو لم يتحمل مسؤولية المتاجرة في العملات الصعبة وهو رئيس للجمهورية.. هل يتحمل وزر ذلك الانقلاب الذي فصل الجنوب ووقعت في عهده ابادات جماعية وجعل النزاعات القبلية تشتعل بتلك الصورة بعد ان وزعوا السلاح على الشعب على اساس قبلي.
(6)
بغم
الفلول اعتبروا خطاب البشير وهو في قفص الاتهام انتصاراً لهم، يا للبؤس!! .. هل وصلت طموحاتهم الى هذا الحد؟
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة