“اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض”.. انطوان سعادة..!
استوقفتني حادثتان دار حولهما جدل كثير من خلال أحد أشهر البرامج الاجتماعية التونسية. الحادثة موضوع الحلقة الأولى كانت بين طليقين، حيث استدعت سيدة مطلقة حديثاً طليقها الذي فضل عليها امرأة أخرى، وكانت هي على علم بمجريات العلاقة، لكن أملها في استرجاع زوجها ووالد أطفالها الثلاثة كان عظيماً. استوقفني قتالها الشرس من أجل استرجاع زوجها وإنقاذ أسرتها الصغيرة على الرغم من علمها التام بخيانة زوجها. وقد ظلت تلك السيدة تستعطف زوجها السابق وتستميل قلبه عله يحن إلى صغاره الذين آلمهم هجرانه لأمهم، وقد لاحظت أن السبب الرئيسي في عدم استجابة الرجل هو شروعه في الزواج من أخرى، كما لاحظت أن ذلك الشروع في الزواج من أخرى لم يكن سبباً في اقتناع طليقته باستحالة العُشرة بينهما. هنا قد يقول قائل والحال كذلك، لماذا لا يتزوج الرجل من الأخرى ويرجع أم أطفاله إلى عصمته ويا دار ما دخلك شر..!
الحادثة الأخرى كانت بين رجل مطلق وسيدة مطلقة طلبها للزواج، لكنها استمهلته لحين انتهاء إجراءات طلاقه من زوجته السابقة والتي كانت قيد النظر بإحدى محاكم الموضوع. وهنا أيضاً قد يقول قائل إن الشرع قد حلل للرجل الزواج بأربع وقد يتساءل آخر عن السبب في اشتراط انتهاء إجراءات طلاق الرجل من زوجة سابقة قبل البدء في إجراءات زواجه من أخرى..!
السبب بطبيعة الحال هو أن قانون الأحوال الشخصية في تونس يمنع تعدد الزوجات ويقر الزواج المدني والطلاق عبر القضاء. وعليه فلا يُمكن للرجل في الحادثة الأولى أن يحتفظ بزوجته وأن يحقق رغبته في الزواج من أخرى في ذات الوقت، فإما أن يتزوج من خطيبته وينسى أمر زوجته السابقة، وإما أن يفسخ خطبته ويسترجع طليقته. ولا يمكن للرجل في الحادثة الثانية أن يعقد قرانه على السيدة التي طلبها للزواج إلا بعد صدور أوراق طلاقه من محكمة الموضوع..!
الشهادة لله استوقفتني المعضلة، وتعاطفت كثيراً مع مثل هذه المآزق الاجتماعية التي أوجد لها الإسلام حلولاً بسيطة بإباحة التعدد وضيق بعض المسلمين على أنفسهم بتجريم التعدد وفقاً لقوانين وضعية بزعم الحفاظ على مكتسبات المرأة وحقوقها، في الوقت الذي تقع فيه نساء كثر ضحايا لتنطع القانون، وفي الوقت الذي لا ينتقص التعدد فيه شيئاً من حق المرأة في طلب الطلاق..!
هنا تحضرني حكاية القارئ الكريم “يحي الدين” الذي حدثني عن كثرة الخلافات بينه وزوجته بعد زواجه من أخرى، والذي سألته هل أنجبت من زوجتك الأولى، فردّ بالإيجاب لكنه تعلّل برفضها إنجاب المزيد من الأبناء ورغبته الأكيدة في ذلك، ثم أكد لي حبه الشديد لزوجته الأولى ورغبته في أن تعود حياته معها إلى سابق عهدها، قبل أن يطلب مني أن أكتب رسالة مناصحة إلى زوجته الأولى..!
لا أملك إلا أن أقول لها إن في بقائها على ذمته رغم زواجه من أخرى تسليماً بالأمر الواقع – رغم تعللها بحفظ البيت ورعاية الأبناء – وعليه فإن استمرار حالة إعلان الحرب رغم امتلاك الخيار بطلب الطلاق ليس من الذكاء الاجتماعي في شيء، كما وأن استمرار حالة القلق والنكد في البيت الأول مع استمرار حالة الاستقرار والتفاهم في البيت الثاني ليس من الذكاء العاطفي في شيء. وعلينا أن لا ننسى أن هنالك دوماً صفحات جديدة نفتحها طائعين مختارين، وبذلك نحفظ جمال مسيرتنا ونحافظ على نبل سيرتنا في كتاب الحياة..!
صحيفة الصيحة