حيدر المكاشفي يكتب: ميناء أبو عمامة وعمامة أبو دلامة
عندما جرى منتصف الأسبوع الماضي، توقيع جبريل ابراهيم وزير المالية عن الحكومة السودانية، وتحالف إماراتي يضم شركتي موانئ أبوظبي وإنفيكتوس للاستثمار التي يديرها رجل الأعمال السوداني أسامة داؤود، على اتفاق ببناء ميناء بمنطقة أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر، وقضي الاتفاق بأن تبني الإمارات الميناء في إطار حزمة استثمارية تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار، وتشمل منطقة تجارة حرة، ومشروعا زراعيا كبيرا،(المشروع شراكة بين مجموعة دال وشركة أبوظبي للخدمات المتكاملة).
ووديعة بقيمة 300 مليون دولار لبنك السودان المركزي، حسبما صرح بذلك داؤود في شهر يونيو الماضي، ولكن عند الاعلان عن الاتفاق رسميا بعد انتهاء مراسم التوقيع في ديسمبر، لم يأت ذكر الوديعة للبنك المركزي، في حين تأكد أن المشروع سيتكون من منطقة صناعية كبرى وأخرى سياحية ومطار دولي ومجمع سكني وطرق داخلية ومحطة كهرباء..بمجرد مطالعتي لهذا الخبر تذكرت على الفور ولا ادري لماذا عمامة الشاعر أبو دلامة، التي قال فيها أنه يكون قردا إذا لبسها وخنزيرا إذا نزعها، ويقول بعض النقاد عن أبودلامة أنه كان شخصية مخادعة وتحاول الوصول إلى أهدافها بأي طريقة كانت مشروعة أم غير مشروعة، وكان همه الأول المال والشهرة وقضاء شهواته ونزواته، وكانت منطلقاته في قصائده كلها منطلقات شخصية، فهجاؤه تصفية للحسابات ومديحه تقديس للذوات ورثاؤه لمن يدفع له المئات..
لقد انطوى هذا الاتفاق على شئ من المخادعة، اذ تم توقيعه رغم النفي المغلظ والمتكرر للسلطات الانقلابية، بعدم دخولها في أي صفقات خلال هذه المرحلة، بعد ان تسرب خبر هذا الاتفاق قبل نحو ستة أشهر، كما ان توقيع الاتفاق جرى برسم جبريل وحده، وتم من وراء القطاع الاقتصادي ومجلس الوزراء، ودون وجود جهة تشريعية هي المختصة والمعنية باجازة أو رفض مثل هذه الاتفاقات، وتم أيضا دون مشورة الجهات الأمنية والخبرات الجيواستراتيجية لما لسواحل البحر الاحمر من أهمية ظلت مكان تنازع دولي، ولهذا يخشى ان يشعل الاتفاق الصراع بين أطراف دولية تتسابق للسيطرة على منافذ البحر الأحمر، وبالتالي يبرز الميناء كمشروع أمني إستراتيجي واقتصادي من شأنه وضع السودان تحت دائرة استقطاب واسع من القوى الكبرى، وعلى الاخص شرق السودان الذي سيجد نفسه في قلب دائرة الصراع الدولي واستقطاب مكوناته القبلية على يد قوى إقليمية ومحلية ودولية، بما ينعكس سلبا على الاستقرار في الإقليم. كما ان الاتفاق لم يوضح نسبة الحكومة ودورها في الشراكة والادارة، بما يضع شؤون ادارة الميناء لجهات أخرى بالكامل وفي ذلك بشكل أو آخر تهديد لسيادة البلاد، هذا بالاضافة الى مآخذ بيئية عديدة أثيرت ضده وتأثيرات سالبة أخرى على ميناء بورتسودان، وبكلمة جامعة مانعة نقول إن الاتفاق تمت اجازته في ظل وضع ملتبس وهش ولا مشروعية وشرعية لموقعيه، وفي ظل أزمة سياسية متفاقمة وأزمة اقتصادية طاحنة وسيولة واضطراب أمني كبير، الأمر الذي يعرضه للالغاء أو المراجعة عند استتباب الأوضاع، ولهذا تبقى مسألة الاستعجال الواضحة في التوقيع محل شك كبير عن الدوافع والاهداف..
صحيفة الجريدة