(1)
التنافس والتميز بالبرنامج (السياسي) امر افضل من ان يبنى القياس على معايير (عنصرية) و(جهوية) – يهمنا (فكرك) و(برنامجك) ولا تعنينا (قبيلتك) في شيء.
في السنوات الاخيرة اصبح السباق السياسي نحو السلطة سباق قائم على (القبيلة) لتعود النعرة (العنصرية) من جديد في الخطاب السياسي وتظهر جراحاتها في مجتمع تتعدد فيه الاعراف والثقافات والألوان.
اذا لم تكن هنالك احزاب سياسية قوية سوف تظهر بدائل مخزية لها لتحل محلها في الساحة السياسية.
الكلمة العليا في الفترة الاخيرة اصبحت للقبيلة والحركات المسلحة .. اذا نظرت الى المشهد السياسي سوف يبدو لك ذلك واضحاً.
اضعاف الاحزاب السياسية هو اضعاف للبرنامج والفكر – المشهد يتصدره الآن ترك واردول على مرتكز (قبلي) .. وهو مرتكز يفتقد للفكر والرؤى والوطنية ايضاً – سوف يظهر بعد ذلك تباعاً صلاح قوش ومحمد الطاهر ايلا والجاكومي وناظر قبيلة الجعليين وهكذا دواليك.
مثلما يتصدر المشهد الثقافي رشدي الجبل وآية افرو وحسن تسريحة وفضيل يتصدر المشهد السياسي ممن ينطبق عليهم (لم ينجح احد).
اذا حدث تصدع اجتماعي في السودان – فلن تعرف السياسة ان تقرع هذا التصدع – اذا حدث نزف قائم على اسس (قبلية) فلن يتوقف.
لا بد من ان تكون هنالك احزاب سياسية قوية في السودان يسمح لها بالتنافس الشريف على السلطة على اساس يكفل المواطنة للجميع ويوفر الحقوق بدون تميز.
(2)
عمل النظام البائد على اضعاف الاحزاب السياسية التى تم تخوينها وتصويرها للشعب في اشكال تجبر للنفور منها.
انتقاداتنا للأحزاب السياسية هي انتقادات من اجل تقوية الاحزاب وإصلاحها وليس من اجل محاربتها والقضاء عليها.
العسكر في السودان على مدى التاريخ تجبّر وتعظّم وتكبّر الاحساس عندهم بالسلطة وظنوا بسبب سيطرتهم عليها اكثر من نصف قرن انهم هم الاحق بها.
العسكر ذهبوا ابعد من ذلك واعتبروا ان ممارسة الاحزاب للسياسة عمل يتنافى مع الوطنية ، بل انهم عملوا على تجريمهم وتخوينهم فقط لممارستهم للسياسة – في الوقت الذي مارسوا هم فيها (السياسة) بالبزة العسكرية وهم لا علاقة لهم بها ، اذ تبدو وضعيتهم تلك اشبه بمحامي النقض الذي يجري عملية جراحية معقدة في (النخاع الشوكي) معتمداً على مادة من القانون الجنائي.
السودان هو من اعرق وأقدم البلاد في القارة الافريقية التى عرفت الاحزاب السياسية ، والتى تكونت فيه مبكراً وكان لها دور وطني وسياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي وديني عظيم.
السودان سبق الدول الافريقية والعربية في ذلك الوعي وقدم للوطن الحزب الاتحادي وحزب الامة ثم الحزب الشيوعي وهي احزاب كان لها دور عظيم في تاريخ السودان وفي الاستقلال ، جاءت بعدها احزاب اخرى ساهمت بشكل كبير في العمل الوطني.
مهم جداً ان نعرف ان الاحزاب (ميزة) وهي امر حسن – تقدم اوروبا والولايات المتحدة الامريكية كان مبنياً عليها. علينا ان نبدل الصورة التى رسمها النظام البائد والعسكر عن الاحزاب .. وعلى الاحزاب نفسها ان تجتهد وتعمل من اجل تبدل تلك الصورة التى ارتبطت بالتخوين والانتهازية والخواء الفكري.
لا خلاص لنا ولا انفكاك من هذه الاوضاع والأزمات إلّا عن طريق الاحزاب.
(3)
الاحزاب السودانية لم تتحرر حتى وقتنا هذا من (صور) الزعماء الذين رحلوا وتركوا صورهم معلقة على جدران الصوالين تحكم احزابهم.
لم يحدث أي تجديد او تحديث للحالة حتى الحزب الشيوعي السوداني الذي يفترض فيه انه حزب (تقدمي) مازال متكرساً ومتلبداً ومتبلداً في نظريات ماركس بغير هدى او وعي.
كل من يحاول التجديد في الحزب الشيوعي يكون مصيره مثل (الفراشات) التى تحترق عندما تدور خارج المنظومة.
في اعتقادي ان اكثر حزب دكتاتوري في السوداني هو الحزب الشيوعي الذي ما ان اختلف مع احد على وجهة نظر إلّا فصل صاحبها من الحزب او تم تخوينه واغتيال شخصيته اذا كان من حزب اخر.
دكتاتورية الحزب الشيوعي اكبر من دكتاتورية العسكر انفسهم .. الذين يقبلون الحوار والتفاوض ويرفضه الشيوعي.
لا بد من ادخال عناصر شابة بأفكار جديدة ومتطورة في دماء الاحزاب السياسية.
اتركوا قيادة الاحزاب ومكاتبها السياسية والتنفيذية للشباب.
لماذا لا يتم استيعاب لجان المقاومة في الاحزاب السياسية المختلفة لتعبر عن فكرها الوطني العظيم وبرنامجها المستقبلي عن طريق الاحزاب؟ وهم المعنيون اكثر من غيرهم بالمستقبل.
اذا اردنا ان نحدث نقلة في السودان ونترجم شعارات ثورة ديسمبر المجيدة في الواقع وفي السلطة يجب ان ندفع بلجان المقاومة الى احزابنا السياسية لتعبر عن نفسها بشكل حضاري وسياسي وديمقراطي.
عدم الاستفادة من اعضاء لجان المقاومة في الاحزاب السياسية هو اهدار لثروة السودان الحقيقية التى جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة.
مارسوا السياسية بأدب ووطنية وشفافية وديمقراطية وجددوا الاحزاب السودانية بشباب الثورة السودانية.
اذا لم يحدث ذلك سوف نظل ندور حول البرهان وحميدتي من جانب ومحمد عثمان الميرغني والخطيب ومبارك الفاضل وترك واردول من جانب اخر.
هؤلاء الذين جاء ذكرهم مع غيرهم من قيادات العسكر والأحزاب (المخضرمين) لا يمثلون ثورة ديسمبر ولا يعبرون عنها.
اذا اردتم فعلاً ان تمنحوا الفرصة للشباب وتتركوا لهم السلطة .. اتركوا لهم الاحزاب ليعبروا عن انفسهم ويتنافسوا من اجل خدمة الوطن.
الحزب الشيوعي اكثر حزب ظهرت بصمته في الشارع السوداني في ثورة ديسمبر المجيدة . لماذا لا ينقل الحزب الشيوعي تجربته في الشارع الى الحزب؟ – لماذا لا يمنح الشباب الفرصة الكافية لقيادة الحزب في الفترة المقبلة؟
نحن نهاجم (دكتاتورية) العسكر في السلطة … وأحزابنا (الدكتاتورية) متجذرة في قيادتها.
المستقبل هو مستقبل الشباب ، حصّنوا وطوّروا مستقبل الاحزاب بالشباب.
الاحزاب السياسية في السودان تعاني من شيخوخة .. لا نقول مبكرة بل نقول شيخوخة عميقة مثل (الدولة العميقة). الاحزاب في حاجة الى ان يجدد فيها الدماء وتمنح فيها الفرصة للشباب، ولجان المقاومة تحديداً بعد تجربتهم المشرفة في ثورة ديسمبر المجيدة.
اذا لم يحدث تجديد في الاحزاب السياسية فان تلك الاحزاب في الطريق الى مثواها الاخير.
(4)
بغم
الاهداف السياسية في السودان كلها أهداف (عكسية) – اهداف العسكر وأهداف الاحزاب ايضاً.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة