الأمانة العامة لمجلس الوزراء أعلنت يوم غد ١٩ ديسمبر عطلة عامة بالمرافق الحكومية والخاصة بالبلاد، بمناسبة ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة.. وبحسابات الاعوام، تكون الثورة السودانية ومنذ أن بدأت التظاهرات والاحتجاجات في ديسمبر العام ٢٠١٨.. تكون قد أكملت عامها الرابع.. أما الأعوام التي تلت تغيير نظام البشير والتي بدأت من الحادي عشر من ابريل عام ٢٠١٩، ستكتمل لأربعة حسوما في أبريل المقبل.
وقبل أن نرى دواعي (العطلة) المعلنة، وهو تقليد غير معمول به في كثير من دول العالم، بأن تكون العطلات بتواريخ الثورات، والمعمول به دائماً أن العطلات تصاحب المناسبات الوطنية، كنيل الاستقلال، أو تأسيس الجمهوريات، وميلاد الدول، وتظل الثورات عالقة بأذهان صانعيها قبل أن (يختطفها) الانتهازيون.. المهم قبل أن نتداعى في المبررات، وإعمال العقل.. دعونا نسأل انفسنا، ما الذي تحقق بعد ثورة ديسمبر؟ .. وهل الثورة اليوم موجودة؟ ام تم اختطافها من المجموعات الانتهازية، المدعومة من الأحلاف الدولية؟
ثورة ديسمبر بحسابات الربح والخسارة، اولاً لا بد من التأكيد أنها نتجت بعد تضحيات كبيرة بذلها الشباب، وهم يعلمون ويقاومون لأربعة أشهر كاملة، نظاماً شرساً، ظل حامياً لعرشه بقوة.. واكتملت الثورة وتحققت بعد أن تضامنت معها (لجنة البشير الأمنية) بكل أضلعها.
إن حسابات الربح والخسارة يعلمها المواطن السوداني العادي، الذي ظل يشعر بفداحة معاناته لأربعة أعوام كاملة، في ظل حكومة (فاشلة) تسلمت مقاليد الامور، واضاعت زمن البلاد والعباد في (التشاكس الأرعن) بين مجموعاتها السياسية المتناحرة والمتطاحنة، فكانت المحصلة الكبرى، أن عاش المواطن السوداني حالة ( اللادولة)، وظل يعاني على كافة الصعد في توفير التزاماته المعيشية وتحقيق سبل الامان الاجتماعي له ولعياله.. حصد المواطن بعد الثورة التي حققها من (ليل الأسى ومر الذكريات) البؤس الاقتصادي الماثل، الذي تزامن معه عجز خدمي لم يكن مسبوقاً من قبل.. انهيار كامل للنظام الاقتصادي وتمدد التضخم الذي (أكل) المال والمدخرات، وفقدت العملة الوطنية تسعة أعشار قيمتها، حيث أصبح الجنيه يساوي فقط ١٠, . ٪ من قيمته القديمة.. وحصد المواطن في السنوات الأربع أسوأ مستوى في خدمات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، حيث تدمرت الطرق وتراجعت التنمية، وفرضت عليه أعلى نسب في الضرائب والمكوس، وحظي المواطن كذلك بأسوأ نظام صحي وتعليمي، ففي الصحة مثلاً انهارت المستشفيات الحكومية لدرجة أن أي عملية جراحية صارت تكلف (مبلغاً مليارياً)، وانتعشت السوق السوداء في مجال الخدمة الطبية والدواء، وبدلاً من أن توفر الدولة نظاماً صحياً مثالياً، أصبح المواطن لا يجد أقل انواع الاهتمام الطبي، وفي مجال التعليم صار الانهيار بائناً لكل صاحب نظر، من حيث البيئة والاضرابات وعدم الاستقرار.. وتراكمت دفعات الطلاب بالجامعات، والمحصلة النهائية انهيار نسب التحصيل، حتى فر المقتدرون من المواطنين إلى دول الجوار لتعليم أبنائهم وبناتهم، وللبحث عن مناخ صحي لحياة كريمة لم يجدوها في بلادهم.. اما في مستويات الأمان النفسي، والاجتماعي فحدث ولا حرج، فقد انحدرت البلاد بقوة نحو مجاهيل معتمة في عدم الرشد الاجتماعي، زادت أسباب الجريمة المنظمة، وانتشرت المخدرات لدرجة مخيفة، وظللنا نسمع في مضابط الشرطة والأمن كل يوم عن (ضبطية جديدة)، وحدثت سيولة أمنية لم يشهدها انسان الخرطوم، ولا السودان، حيث انتشر القتل واستخدام السلاح بكل أنواعه.. وكل هذا في أعوام الثورة الظافرة التي نحتفل بعامها الرابع.
أما اجابتنا عن السؤال الأخير، هل ما زالت الثورة موجودة؟ فإننا نجد الاجابة، في استمرار المليونيات والاحتجاجات والاضرابات ودعوات العصيان، التي لم تتوقف منذ حكومة الثورة الأولى وحتى اليوم.. فهل ما زالت الثورة موجودة بعد ذلك؟ ثم نرى المجموعات السياسية والحركات المسلحة والكيانات القبلية – مدنيين وعسكريين- لا زالوا يصطرعون على كراسي السلطة والتزامها.. فهل ما زالت الثورة موجودة بعد كل هذا الواقع الماثل.
صحيفة الانتباهة