ينفّذ معلمو المدارس الحكومية في السودان حالياً، إضرابات جزئية عن العمل، مع التهديد بتنفيذ إضراب مفتوح وشامل إذا لم تعالج مشكلاتهم.
وترتبط الخطوات التصعيدية بشكاوى المعلمين من ضعف رواتبهم، وتدنّي البيئة الدراسية، علماً أن هذه الشكاوى تتكرر سنوياً في السودان الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتتدنى فيه الخدمات العامة مثل التعليم والصحة إلى درجات مريعة، بالتزامن مع ارتفاع تكاليفها يوماً بعد يوم. وقد تضاعفت هذه المشكلات الحياتية عقب الانقلاب الذي نفّذه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويؤكد المعلمون السودانيون أنهم لا يملكون سوى استخدام سلاح الإضراب عن العمل الذي تتبناه لجنتهم النقابية للضغط على السلطات الحكومية من أجل تنفيذ جملة مطالب، وهو ما حصل سابقاً عبر إضرابات نفذتها نقابات مهنية أخرى، وشملت مثلاً العاملين في قطاع الكهرباء والأطباء، وأيضاً موظفي عدد من الوزارات والمصالح الحكومية.
يروي الأستاذ بكري محمد صالح لـ”العربي الجديد” أنه لم يتردد لحظة مع زملائه في مدرسة الصالحين بالفيحياء التابعة لمنطقة شرق النيل في العاصمة الخرطوم، في الاستجابة لدعوة لجنة المعلمين السودانيين للإضراب عن العمل، “لأن لا خيار آخر، رغم أن وضعي أفضل من معلمين آخرين، باعتبار أن أسرتي صغيرة، وتضم 3 أفراد فقط”.
يضيف: “استناداً إلى التضحيات التي يقدمها المعلمون لا يجب أن يقل راتب صاحب الدرجة الوظيفية الأصغر عن 60 ألف جنيه (110 دولارات) وصولاً إلى 300 ألف جنيه للدرجات العليا (551 دولاراً)”. ويحث صالح أولياء أمور التلاميذ على تفهّم دواعي الإضراب، كما يدعو مسؤولي وزارة المالية بالإسراع في الاستجابة لمطالب المعلمين من أجل ضمان استقرار العام الدراسي.
وتتفق المعلمة تهاني علاء إدريس بالكامل مع ما أورده زميلها صالح، وتقول لـ”العربي الجديد”: المعلمات أكثر تضرراً من ضعف الرواتب بعكس ما يصوره آخرون، فهن يمثلن نسبة أكبر في مهنة التعليم، وتقع على عاتقهن مسؤوليات جسيمة. علماً أن بعضهن يعوضن غياب الأب بسبب موته أو حصول طلاق، أو تخليه عن تربية ورعاية أبنائه. وشخصياً لدي 4 بنات في مراحل دراسية مختلفة، وأعاني من ضعف الراتب الذي لا يتعدى 85 ألف جنيه (156 دولاراً)، ما يحتم إكمالي الشهر بالاستدانة، وبالتالي معاناتي في الحصول على الاحتياجات اليومية من غذاء وعلاج وتعليم وإيجار”.
تتابع: “هناك استجابة واسعة ومتزايدة للإضراب وسط المعلمين رغم التهديدات المتواصلة من السلطات، فهم ليس لديهم ما يخسرونه حتى لو فصلوا من العمل نهائياً، والرواتب ليست وحدها المشكلة، إذ يواجه المعلمون التأخير في الترقيات وفي صرف البدلات والفروقات وغيرها.
وبالنسبة إلى صابر الصديق، وهو معلم مرحلة ثانوية في منطقة أم درمان غربي الخرطوم، فيبدي في حديثه لـ”العربي الجديد” مخاوف أكبر على عملية التعليم في السودان لأسباب عدة، منها عدم استقرار المعلم، والراتب الضئيل الذي يتقاضاه، وتردي البيئة المدرسية، وعدم توفر الكتاب المدرسي، لدرجة أن المعلم يشرح المادة نظرياً فقط، وكذلك بسبب عدم وجود مختبرات تحتاجها بعض المواد العلمية، والمعاناة من الاكتظاظ، إذ يمكن أن يضم الفصل الواحد 70 تلميذاً، في وقت هناك نقص حاد في المعلمين الذين هجر بعضهم المهنة لمزاولة أخرى ولو هامشية وأقل مستوى، أو هاجروا”.
يضيف: “يبدو مستقبل التعليم في السودان مظلماً في ظل هذا الواقع، خصوصاً مع تعمد الدولة تجاهله ووضعه في المرتبة الأخيرة على سلم الأولويات. وأنا أتوقع أن تلجأ الأسر إلى تعليم أبنائها في مدارس خاصة رغم أن رسومها باهظة. والأسر التي ستعجز عن فعل ذلك سيجبر أبناؤها على ترك مقاعد الدراسة ودخول سوق العمل، ما سينعكس سلباً على المجتمع والدولة، ويولّد فوارق اجتماعية خطيرة”.
وكان مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة في السودان (يونيسف) أبدى في بيان صحافي قلقه البالغ من الإضرابات المستمرة في قطاع التعليم، وتأثيراتها السلبية. وحذر من الإغلاق الوشيك لجميع المدارس في البلاد، مناشداً من أسماهم “أصحاب المصلحة المشاركين في المفاوضات الخاصة برواتب العاملين في مجال التعليم الاهتمام بمنح أولوية لمصالح الأطفال، والعمل لإيجاد حلول تبقي المدارس مفتوحة، كي لا يفقد جيل من الأطفال السودانيين حقوقهم في التعلّم”.
وأخيراً، نفذت لجنة المعلمين السودانيين إضراباً باسم “العزة”، ولوّحت بعدم حضور المعلمين إلى المدارس نهائياً خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري، قبل التفكير في خطوات قادمة في حال لم تستجب السلطات للمطالب.
وأكدت اللجنة أنها اضطرت للمضي قدماً في خيار الإضراب الذي أكدت شرعيته الدستورية والقانونية، مشيرة إلى أنها سلمت مذكرات إلى حكومات الولايات، وأيضاً إلى مجلس الوزراء الاتحادي ووزارة المالية من دون أن تجد آذاناً صاغية، وحمّلت مسؤولية أي تأخير في عملية التعليم إلى السلطات وحدها دون سواها.
ويستنكر عضو لجنة المعلمين سامي الباقر، في حديثه لـ”العربي الجديد”، تجاهل السلطات وعدم اكتراثها للمطالب “ما يشير إلى تجاهلها التعليم، علماً أن التواصل منقطع بالكامل بين اللجنة ومسؤولي وزارة المالية المعنية أصلاً بزيادة الرواتب. وينتقد بشدة التهديدات التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم، علماً أنها غير معنية أصلاً بالرواتب بموجب قانون الحكم الاتحادي وقانون التعليم، وكلاهما يضعان مسؤولية التعليم في عهدة الولايات، في حين لا تتعدى سلطة الوزارة الإشراف الفني. ونسبة تنفيذ الإضراب تجاوزت 90 في المائة”.
ويحدد الباقر مطالب المعلمين بزيادة الرواتب والإنفاق الحكومي على التعليم بنسبة لا تقل عن 20 في المائة، وتنفيذ قرارات مجلس الوزراء الخاصة بمعاش المثل وبدل علاوة العمل بنسبة تتراوح بين 60 و70 في المائة إلى جانب قرارات أخرى، ويؤكد أن اللجنة ستقرر خطوات تصعيدية أخرى في حال عدم الاستجابة للمطالب.
العربي الجديد