وصل الإنفلات الأمني في الخرطوم مرحلة متأخرة ، وأصبح المواطن لاتهمه الظروف الإقتصادية وزيادة أسعار السلع الإستهلاكية ، لا يهمه إن كان يملك قوت يومه او لايملكه ، بات لايخبئ نقوده وأغراضه من السرقة ، إنما يخفيها لكي لايفقد روحه ، وهذه اقصى درجات الخوف واللا أمن وان أردت ان تقس فشل الحكومات واخفاقها ، فلا تنظر إلى إقتصادها المتدني أو مستوى دخل أفرادها ، لكن انظر إلى الأمن فيها فإن فقد المواطن أمنه يجب أن تراجع الحكومة موقفها من كونها تقف على رأس الدولة لتمثيله وحمايته وسلامته لأنها تكون كاذبة. فيبدو أن عيناً أثيمة أصابت هذا المجتمع المسالم المتسالم في مقتل فأصبحت تنتاشه وتُذهِب عقله ومنامه ذئاب بشرية رضعت من ثدي هذا الواقع الأمني الأليم فخرجت من تحت رُكامه ورماده هذا اللهب المُحرِق الذي أوشك أن يكون له ضِرام ، فحتى متى تغفو الأجهزة الأمنية وتغمض جفنها عن هذه السيولة الأمنية والتي أصبحت لافتة وهاجساً يؤرق مضاجع الناس ، فأكثر ما يدهشك أنه بالرغم من كل هذه المخاطر ، وحالات الرعب والخوف وسط المواطنين ، وحذرهم البالغ في حلهم وترحالهم ، ولجؤهم لحمل السلاح الأبيض احيانا لحماية أنفسهم ، والبلاغات التي تصل الى اقسام الشرطة عن جرائم القتل والنهب والسرقة والإعتداء على النساء بصفة خاصة وما تعانيه المرأة في الشارع العام من استهداف شخصي ، من قبل عصابات ٩ طويلة ، رغم كل هذا فالسلطات الأمنية والشرطية آخر همها أمن العاصمة وسلامة مواطنيها . ولم يجتمع مدير الشرطة أو مدير جهاز الأمن أو قادة المؤسسة العسكرية اجتماعاً واحداً طارئاً لمناقشة السيولة الأمنية في الخرطوم، لمحاولة وضع خطة عاجلة وناجعة لخروج العاصمة الخرطوم من أزمتها الامنية الآنية المستفحلة ، اجهزة أمنية كل همها ان تغلق الكباري وتحرس الطرقات والمداخل أمام المواكب حتى لا يصل الثوار القصر الجمهوري فما يحدث الآن يجب ان تتم فيه مساءلة لكل قيادات هذه الاجهزة ومحاسبتها فما هو عمل جهاز الأمن والشرطة ان كانت اخبار الجريمة تتصدر الأخبار وتضج بها منصات التواصل الإجتماعي ، حتى أصبح خبر قتل اسرة او قتل امراة أو رجل خبراً عاديا لا يستدعي الوقوف عنده ، فكيف تجرؤ هذه السلطات الانقلابية والأمنية لمصادرة ونزع الإحساس الطبيعي بالحيرة والاندهاش ، بعد ان قتلت في روح المواطن كل شي وجعلت كل المشاعر عنده متساوية فالإحساس الوحيد الذي يحاصرك هو أن الشعور بالموت أصبح يحيط بك من كافة الإتجاهات أن خرجت ثائراً او جلست في بيتك أو أنت في طريقك من عملك يساورك الشك أنك ( ميت ميت ) فيمكن أن تفقد روحك فقط لأنك تحمل محفظة بها الف جنيه فقط ، هكذا اصبح كل شيء بالنسبة للعصابة والمتفلتين غالٍ وله ثمن وقيمة إلا الروح . !! طيف أخير: ما زالت أمانيَّهم المستحيلة الكذوب معلقة في الأسلاك الشائكة تنزف بصمتٍ يثير رثاء الحجارة.
صحيفة الجريدة