ظل السودان يعاني لأعوام طويلة تنامي ظاهرة العنف ضد النساء سواء كان من جانب المجتمع أو أسرهن، فيما نشر متخصصون في شؤون المرأة أواخر عام 2019 بحوثاً تؤكد أن الظاهرة تسجل تنامياً “مقلقاً”، تحديداً ضد الناشطات في العمل الاجتماعي والسياسي، إذ يتعرضن للتعذيب والاعتقال التعسفي.
ضد الناشطات
الظاهرة بطبيعة الحال لم تختف نهائياً، ولكن الحالات المعلن عنها انخفضت نسبياً خلال العامين الماضيين، خصوصاً بعد إلغاء قانون النظام العام الذي كانت “تمارس من خلاله أنواع التعذيب كافة بحق النساء”، بحسب حقوقيين.
في هذا السياق قالت الناشطة الحقوقية سيدة الحكيم إن “معدلات العنف ضد السيدات ظلت في انحسار ظاهري، خصوصاً في الفترة الأخيرة، ولكن ما زال التضييق على النساء مستمراً، تحديداً اللواتي يناهضن النظام بكل أشكاله، ويقدمن مصلحة الوطن على مصالحهن الشخصية. فقد شهدنا في الآونة الأخيرة تضييقاً على السيدات العاملات في المجال العام واللواتي يتقدمن صفوف التظاهرات”.
وعن أشكال العنف الذي يتعرضن له قالت الحكيم إن “هناك حالات ضرب واعتقال تعسفي وتكميم أفواه ومضايقات من جانب جهات عسكرية في الشوارع وغيرها من المضايقات التي أساءت إلى المرأة عموماً”.
وتابعت “النساء تعرضن لأنواع عنف أكثر خطورة تمثلت في الاعتداء الجنسي والابتزاز، والناشطات الحقوقيات جميعهن لم يكتفين بإلغاء قانون النظام العام والتقدم الذي حدث على الصعيد السياسي، بل ما زلن يناهضن العنف وهدفهن الحالي يتمثل في القضاء عليه بصورة نهائية والوصول إلى دولة تحترم السيدات وتحميهن من العنف وليس المشاركة فيه”.
وقال اللواء أمين إسماعيل مجذوب خبير إدارة الأزمات والتفاوض في مركز البحوث الاستراتيجية، إن “نسبة العنف ضد السيدات السودانيات تزايدت بعد الانتفاضة بسبب التفلت الأمني في البلاد، إذ تشهد الفترات الانتقالية دائماً بعض الحريات الزائدة وغير المنضبطة والمضايقات والتحرش والتنمر حتى في مواقع العمل والمناسبات الاجتماعية والشارع العام، إضافة إلى قيام مجموعات غير منضبطة باعتداءات وعمليات سرقة في الشارع”.
أما عن العنف من قبل جهات عسكرية، فقال مجذوب إن “العنف السياسي والاعتقالات كلها نتيجة مشاركة النساء في التظاهرات والحراك، لذلك تتعرض للاعتقال وأحياناً للغاز المسيل للدموع. خروج المرأة إلى العمل السياسي هو السبب في اعتقالها والاعتداء عليها من قبل القوات الأمنية”.
أما عن العنف ضد السيدات بصورة عامة، فيرى مجذوب أن “المجتمع السوداني محافظ ولم يشهد قديماً عنفاً تجاه السيدات، لذا إنها ظاهرة دخيلة على المجتمع السوداني أسبابها عدة، منها النزوح من مناطق النزاعات إلى المناطق الحضرية، وعليه جاءت ثقافة الانتقام والاعتداء على الآخرين.
أيضاً وجود نسبة كبيرة من البطالة فاقم العنف والتنمر والتحرش بالنساء، إضافة إلى ارتفاع كلف الزواج. كما أن دخول ثقافات جديدة إلى جانب الضائقة الاقتصادية، عززا تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة التي ربما تصل أحياناً إلى حد القتل”.
كذلك ظلت ظاهرة العنف الجنسي والاغتصاب، تحديداً وسط القاصرات في تزايد مستمر، إذ وصل عدد البلاغات قبل ثلاثة أعوام إلى 340 حالة، معظمها في منطقة النزاعات حيث تعاني الفتيات غياب الحقوق والعنف والتحرش.
الباحثة الاجتماعية داليا محمد قالت إن “حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي وغيرها ترجع إلى البيئة التي يعيش فيها الأفراد، فكلما كانت بسيطة وغير خاضعة لأي نوع من أنواع التنظيم من المتوقع أن تزيد نسب التحرش وغيرها من الاعتداءات. وتنتشر الظاهرة أيضاً في المجتمعات التي تتم فيها تربية الأبناء داخل ’المنزل الكبير‘، حيث يكون الأهل جميعاً موجودين في منزل واحد من دون أي ضوابط، ويصل الأمر إلى تعرض الأطفال للاعتداء من قبل أفراد من الأسرة مما يسبب مشكلات نفسية بالغة لهم. ونظراً إلى عدم وعي بعض الأسر يهمل هؤلاء الأطفال مما يعرضهم لأمراض نفسية مستقبلاً”.
وعن عدد الحالات المعروفة، قالت محمد إن “الإحصاءات غير دقيقة وذلك لأن المجتمعات السودانية منغلقة، وتعتبر هذه الأمور عاراً وفضيحة لذلك يتم التكتم على معظمها ولكن هناك مئات الفتيات اللواتي يقصدن متخصصين نفسيين لمواجهة صدمات الطفولة التي تعرضن لها. في المقابل هناك أيضاً آلاف الفتيات اللواتي لا يستطعن أن يواجهن هذه الصدمات ويتهربن منها، لذلك من الصعب أن توجد إحصاءات دقيقة في هذا الخصوص طالما أن المجتمع ينظر إلى الفتاة المعتدى عليها على أنها جانية وليست ضحية ويتعامل مع الأمر من منظور العار والعيب”.
عنف جسدي
لم يقتصر العنف الجسدي على الضرب والاغتصاب، بل أخذ أبعاداً أكثر فداحة، لا سيما ظاهرة ختان الإناث التي وعلى رغم وضع قوانين ضابطة تمنع هذا الإجراء، إلا أنه ما زال يمارس داخل البيوت المغلقة. ولم يسهم التطور والتقدم والقوانين وغيرها في القضاء على هذه الظاهرة.
وتعاني 87 في المئة من السيدات السودانيات تشويه أعضائهن التناسلية، وبحسب الإحصاءات الأخيرة، فإن النسبة ما زالت كما هي ولم تشهد البلاد أي تقدم على هذا الصعيد.
في هذا السياق قال طبيب النساء والتوليد حسام فيصل إن “ظاهرة ختان الإناث من الظواهر التي لم ولن يتم القضاء عليها بسهولة، لأنها عادة مجتمعية في المقام الأول والمجتمع بصورة عامة لا يحترم القوانين ولا ينظر إليها أصلاً”.
وعن أخطار الختان أوضح فيصل أن “حالات تعسر الولادة والموت أثناء الولادة والمشكلات التناسلية جميعها بسبب الختان”.
وعن عدد الحالات قال، “نستقبل في العيادة عشرات الفتيات والقاصرات اللواتي يعانين تشوهات بسبب الختان وهي تشوهات خطرة لا يمكن معالجتها بسهولة”.
وعلى رغم كل التعديات التي تطاول النساء والفتيات ما زال المجتمع يرى أن “هذا العنف عادي وطبيعي”. في هذا السياق، أوضح الطبيب النفسي مؤيد الهادي أن “حل مشكلات العنف ضد السيدات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوعي المجتمع، وما لم نشهد وعياً مجتمعياً فلن نلحظ أي انخفاض في معدلات الإساءة، بل ستسجل زيادة سنوياً حتى في حال وضعت قوانين حاسمة وصارمة”.
إندبندنت عربية