يوميات جارة جديدة في الحلة
– ايام طفولتنا عاشت اسرتنا تجربة صعبة، عندما تم القبض على جار جديد لنا في الحي، كان يعمل سائقا على عربة تاكسي، في حادثة قيادة باهمال، حيث توفى المصاب وتم احتجاز الرجل لحين البت في القضية .. بدافع حق الجوار تقدم والدي لاكمل اجراءات (الضمان) عندما عشم الرجل فيه خيرا وطلب منه ان يقوم بذلك، ولكن عندما جاء اوان النظر في القضية كان الرجل فص ملح وداب، وبعد تأجيل القضية اكثر من مرة طلب من ابي ان يحضر المتهم أو تتم محاسبته على هروب الرجل ..
لاكثر من شهرين طاف أبي فجاج السودان خلف الرجل، فكلما سمع بانه وصل الى احدى المناطق سافر اليها، فيغادرها الرجل هربا منه الى اخرى، حتى حاصره في احدى الاصقاع بمعونة الشرطة وعاد به اخر الامر ليواجه تبعات فعلته ..
بعدها عشنا ليالي سعيدة كـ الاحلام، نسمع فيها من ابي حكاويه عن ما لاقاه في تجواله بين القرى والحضر، والاماكن النائية البعيدة التي وصل اليها، والعادات والتقاليد المختلفة التي شهد عليها، ومن ضمن الحكاوي التي زرعت فينا الرعب قصة حكاها عن قرية تسمى (حلة البعاتي)، تخلو شوارعها من (التقول تراني) ما ان تميل شمسها الى المغيب، ويلوذ سكانها ببيوتهم خوفا من (زوار الليل) ..
زوار الليل لم يكونوا من اللصوص ولكن من سكان المقابر، الذين يعودون للقرية لتصفية حساباتهم حسب ما يتوهمه اهل القرية، بفعل الاساطير التي صار لها حكم الحقيقة لشدة ايمانهم بها .. سألنا أبي ان كان قد رأى شيئا من ما يتوهمه القوم اثناء تواجده في تلك القرية المتبوعت اهلها، فنفى ان يشهد بما لا يتيقنه ولكنه سمع في الليلة التي بات فيها بين ظهرانين اهل القرية، انهم يترقبون ليلتها عودة حاجة فاطنة لـ (تلقيط دهيباتها)، وذلك لانها الليلة التالتة لـ طمر المرحومة في مقابر القرية !!
ذكرت تلك القصة القديمة لأننا منذ انتقالنا للاقامة في المربع الذي يطل على المزارع في اطراف احد الاحياء الحديثة، ونحن نشكو الى الله غربة الاقامة ووحشة المكان حديث الانشاء، فلا يوجد فيه غير عمائر متناثرة اغلبها في طور الانشاء، حتى اطلقت على الحي (حلة البعاتي)، وذلك لأنه وبمجرد هبوط الظلام يتحول الحي لـ مدينة اشباح لا يسمع فيها غير نباح الكلاب، ولا يرى شيء عبر ليلها البهيم غير بعض تحركات الدهم المبهمة !!
– تناهى الي تصايح العيال من البلكونة :
اجري يا ماما تعالي شوفي .. المرا القاعدة تتمشى جات !!
فألقيت ما بيدي ولفحت الطرحة وخرجت خلفهم .. كانت المرأة ذات العباءة السوداء التي تمارس رياضة المشي مع ابنتها الشابة في الفضاءة التي يطل عليها البيت، ففي نفس الوقت يوميا نراها تمر من امام منزلنا، وبحسب حالة القرم التي نعانيها لـ انس الجيران، فكرنا في اعتراض طريقها و(محاشكتها) بالسؤال عن مكان اقامتها علها تكون بادرة خوة ومروة ..
دعوت العيال كما افعل يوميا – لمناداتها للسلام عليها والتعرف بها، ولكنهم كالعادة رفضوا حياءا وطلبوا مني ان اناديها (براي) .. وكزت اسامة بصفته الاكثر اقداما واجتماعية بين العيال وحلّفته:
عليك الله يا اسامة كورك ليهن انت .. بعدين انا حا اتكلم معاهن
فأفحمني بـ( يا ماما ديل نسوان زيك وبرضك خجلتي منهم .. دايراني كيف انضم معاهم أنا ؟؟)..
وهكذا مرت المرأة وابنتها من امام المنزل، وهي ترفع رأسها باستغراب بين الفينة والاخرى، لتتفحص المرأة المجنونة وعيالها الاربعة الذين يترصدون مرورها اليومي وهم مرصوصين صفا كالطيور من فوق البلكونة ..
– من مطبخي المطل على مدخل البيت سمعت ابو العيال الذي كان يقف امام الباب – يتبادل الحديث مع بعض الاصوات الخشنة .. عشمت خيرا في ان يكون الطرّاق ضيوفا يؤنسون علينا وحشة الخلاء الوصي، ولكن سرعان ما خاب املي عندما سمعت صوت تحرك سيارتهم مبتعدة بعد بضع دقائق ..
سألته عن الزوار بعد دخوله لاحقا للبيت، فأخبرني بأنه المغترب الذي يمتلك قطعة الارض المواجهة لبيتنا .. فرحت بالخبر عشما في ان يكون صاحب القطعة قد جاء ليشرع في بنائها فنغنم به جار جديد، ولكن ابو العيال اوضح لي ان الرجل يرغب في بيعها ليشتري بثمنها منزل بالقرب من اهله داخل الخرطوم ..
فحدثت نفسي بضرورة ان يجعل لنا الرجل في بيع قطعته (حق الشفعة) .. ليس لنشتريها لـ بت أم روحنا، ولكن لكي نختار لها مشتري (نقاوة) على الفرازة .. عل وعسى ان نفوز بـ جيرة خير تحقق مثل اهلنا الطيبين (جارك القريب وللا ود أمك البعيد) .. رفعت صوتي للتعبير عن افكاري فقلت لزوجي:
دايرة لي جيران ست بيتهم يختوها في الجرح يبرأ .. لا تمنع الماعون ولا بتبدل العدة بالدلقون ..
مخرج
دايرة لي جيران بمواصفات أهلنا الكبار في الطيبة والمحنة، حبذا لو كان لهم صبيان تربو على عبادة الله وطاعته عشان اختار واحد منهم نعرسو لي بتي عملا بحكمة اخطب لبنتك، ولا بأس في ان يكون زيادة خير – عندهم بنيات حليوات وصغيرونات .. اربيهن على يدي عشان اعرس ليهم اولادي .. أهو تبقى الصداقة قرابة ونكسب الودين .. فمن يأنس في نفسه مطابقة المواصفات التقدم لملأ استمارة القبول ..
[/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]