تهافت الاتفاق (الانشطاري)
ما سُمّي بالاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه الاثنين الخامس من ديسمبر 2022م بالقصر الجمهوري بين المكون العسكري من جهة و(قحت) المجلس المركزي من جهة أخرى، بمشاركة بعض الكومبارس السياسي، وبحضور مقاول تقسيم السودان (فولكر)، وبعض السفراء الأجانب؛ هذا الاتفاق حُقّ له أن يُسمى بالاتفاق الانشطاري، لأن الموقعين عليه مجموعات سياسية منشطرة، ولأنه في الحساب النهائي والاستراتيجية الغربية الماكرة يودون له أن يؤدي إلى انشطار السودان نفسه، لو لم يتدارك ذلك عقلاء السودان.
أول المنشطرين والذي يجلس في الصف الأول بابتسامة دبلوماسية مصنوعة؛ الحسن ابن مولانا محمد عثمان الميرغني راعي الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والحسن هذا تم فصله من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قبل أيام، بل قصته التي بلغت الآفاق ومفادها أن أباه الذي عاد للسودان قبل حوالي أسبوعين رفض النزول من الطائرة ما لم يغادر الحسن المطار، ومفاد القصة كلها أن أباه غير راض عنه بسبب صنيعه هذا… ولا أدري لمصلحة من يخالف أباه ويمضي في هذا السبيل الشائك.
وانشطاري آخر يجلس في الصف الأول هو ياسر عرمان، الذي توالت انشطاراته من الحركة الشعبية الأم بقيادة سلفاكير، ثم من الحركة الشعبية بقيادة الحلو، ثم أخيرا من الحركة الشعبية بقيادة عقار، ومع توالي هذه الانشطارات رشحت أخبار بأنه صار المستشار السياسي لقائد الدعم السريع حميدتي، وبعض المراقبين الذين سمعوا خطاب حميدتي ذهبوا إلى أن فقراته الأساسية كتبها ياسر عرمان، وذهبوا إلى أن خطاب حميدتي نفسه لم يخلو من انشطار داخلي في المعاني، فأصبح خطابا غير متماسك، ويخاطب الخارج أكثر مما يخاطب الداخل.
ومما أحزنني أن الصف الأول نفسه قد ضم الدكتورة نوال خضر القيادية بالمؤتمر الشعبي التي أجلسوها بجانب ياسر عرمان إمعانا في (حبكة) مسرح العبث واللا معقول في السياسة السودانية، والدكتورة نوال يعاني حزبها أيضا من أعراض الانشطار بسبب هذا التوقيع الإطاري، وقد اصدر قياديون في مجلس شورى المؤتمر الشعبي قبل حوالي يومين بيانا تبرأوا فيه من دستور تسييرية نقابة المحامين الذي يقوم عليه هذا الاتفاق الإطاري وأعلنوا رفضهم التام للانخراط في عملية سياسية تقوم على هذا الدستور المقترح، ويعاني المؤتمر الشعبي مما يشبه الانشطار بسبب هذا الدستور المقترح الملعون.
وإذا تجاوزنا الأفراد، لأننا لا نستطيع في هذه المساحة أن نتتبع كل الجلوس في الصف الأول، ومضينا نحو الكيانات والقوى السياسية، فتصادفنا (قحت) نفسها، وهي أول الكيانات التي انشطرت بسبب هذه العملية السياسية التي وصلت إلى مرحلة التوقيع على الاتفاق السياسي الاطاري، فقد خرج حزب البعث العربي الاشتراكي على (قحت) وأعلن رفضه التام لهذه العملية القائمة أساسا على دستور تسييرية نقابة المحامين، ومن قبل انشطر مبكرا الحزب الشيوعي السوداني من قحت وأعلن معارضته لكل العملية السياسية الجارية الآن.
أما الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يعاني أصلا من انشطار بسبب وجود التجمع الاتحادي داخل (قحت) وهي مجموعات خارجة عن سيطرة رئيس الحزب؛ فقد أضاف انشطارا آخر بخروج الحسن الميرغني وإبراهيم الميرغني و (مجازفتهما) بالانخراط في هذه العملية السياسية التي أفضت إلى توقيع الاتفاق الإطاري السياسي بالقصر الجمهوري، وإن كان الحسن وإبراهيم أمرهما يسير وحسمهما بسيط في وجود مولانا محمد عثمان الميرغني، فهما قطعا لا يمثلان الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بل لا يمثلان مجموعة يمكن أن تكون طرفا منشقا من الحزب.
نأتي لآخر المنشطرين في هذه المساحة، وتمثلهم جماعة أنصار السنة المحمدية جناح السجانة، التي جازف مسئولها السياسي في الانخراط في هذه العملية السياسية، وإن كانت الأخبار توالت بأنهم لم يحضروا إلى القصر ولم يوقعوا لكن بعض وسائل الإعلام أوردت اسمهم من ضمن الموقعين، والعملية التي أقدم عليها مسئول جماعة أنصار السنة فرع السجانة بالانخراط في هذه العملية السياسية القائمة على دستور تسييرية المحامين سيئ الذكر؛ فتحت عليه أبوابا من النقد العنيف داخل أنصار السنة وداخل السلفيين السودانيين عموما، وإذا جازف المسئول السياسي لأنصار السنة جناح السجانة في المضي في هذا الطريق؛ فيتوقع احتجاج واسع داخل جماعته نفسها، قد يتطور إلى ما لا يحمد عقباه.
آمر أخير غير متعلق بالانشطار، لكنه متعلق بـ (الشيزوفرينيا) أو الانفصام، فـ (قحت) التي ملأت الدنيا ضجيجا حول المشاركين في نظام الإنقاذ وضرورة عزلهم سياسيا في هذه المرحلة، وهي الموقع الرئيسي على الاتفاق الانشطاري؛ لعلها تعامت أن الصف الأول للاحتفال يجلس فيه الحسن الميرغني آخر مساعد لرئيس الجمهورية السابق عمر البشير، ثم في نفس الصف الأول ياسر عرمان رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الوطني في عهد الرئيس البشير نفسه، ثم الدكتورة نوال خضر عضو آخر مجلس وطني في عهد البشير، ثم لعله يجلس في الصف الثاني إبراهيم الميرغني وزير الدولة بوزارة الاتصالات في الحكومة قبل الأخيرة في عهد الرئيس البشير، فهل هناك شيزوفرينيا أكبر من هذه.
الاتفاق الانشطاري هذا لن يكتب له البقاء كثيرا إن شاء الله؛ إذا حزمت القوى المعارضة أمرها على إسقاطه، وهي قوى كبيرة ومدربة على العمل السياسي ووراءها جماهير كثيرة..
حسن عبد الحميد