هل ينجح الاتفاق الإطاري في توسيع مظلة السلام بالسودان؟

أقر الاتفاق السياسي الإطاري الموقع بين المكون العسكري وتحالف الحرية والتغيير وطيف آخر من القوى السياسية وحركات السلام، الإثنين الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ضمن بند القضايا الانتقالية ضرورة تنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية وشركاء الاتفاق وأطراف الإعلان السياسي واستكماله مع الحركات المسلحة الأخرى غير الموقعة، وذلك ضمن أمهات القضايا الرئيسة التي أرجئت لمزيد من التشاور، بينها العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري وإزالة دولة تمكين الـ30 من يونيو (حزيران) 1989. فهل ينجح الاتفاق السياسي الإطاري في جذب الحركات المسلحة الأخرى غير المنضوية تحت اتفاق جوبا، وما فرص استكمال السلام الشامل في ظله بالسودان؟

استباق الاتفاق

استبقت الآلية الثلاثية المسهلة للعملية السياسية لحل الأزمة السودانية التي تضم (بعثة الأممية المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي بالسودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد)، توقيع الاتفاق بلقاءات مع كل من عبدالواحد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان وعبدالعزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحير السودان (شمال)، إلى جانب رئيس لجنة الوساطة الجنوبية في ملف سلام السودان توت قلواك.

جاء لقاء الآلية الثلاثية مع الحركتين ورئيس لجنة الوساطة، بغرض تنويرهما بجهودها في إنجاح العملية السياسية والاستماع لرؤيتيهما بشأن حل الأزمة السياسية ومقاربتها ما بين العملية السياسية واستكمال تحقيق السلام الشامل في السودان.

وأكدت الثلاثية أن اللقاء كان فرصة لتبادل الآراء حول انتقال سياسي يعقبه معالجة الأسباب الجذرية من خلال حوار (سوداني – سوداني)، وأوضحت أن الحركة الشعبية (شمال) أعربت عن دعمها لعمل الآلية، والحاجة إلى انتقال يعالج القضايا السودان الأساسية.

وأوضحت الآلية في تعميم صحافي، أن اللقاء مع المستشار الرئاسي توت قلواك استعرض آخر مستجدات العملية السياسية واتفاق جوبا للسلام وسبل التوصل إلى اتفاق وسلام دائم في السودان. كذلك جدد رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان فولكر بيرتس، خلال مخاطبته فعاليات توقيع الاتفاق الإطاري، حاجة السودان إلى حكومة مدنية معترف بها لإجراء حوار (سوداني – سوداني) لمعالجة القضايا الأساسية للبلاد وتمهيد الطريق لإتمام عملية السلام مع الحركة الشعبية شمال (الحلو) وحركة تحرير السودان (عبدالواحد نور).

جذور المشكلات

من جانبه شدد رئيس الحركة الشعبية القائد عبدالعزيز آدم الحلو، أن العملية السياسية الجارية يجب أن تقود إلى إنهاء الانقلاب وتحقيق السلام الشامل في السودان وليس استعادة الشراكة القديمة.

وأكد الحلو أثناء لقائه أعضاء الآلية الثلاثية، أن “ما يهم الحركة الشعبية مخاطبة جذور المشكلة وتحقيق السلام الشامل، وليس تقسيم السلطة بين النخب السياسية”. محدداً أن المطلوب الرئيس في هذه المرحلة هو بلورة مفهوم مشترك للسلام، منتقداً ما وصفه بالموقف السالب والضبابي من القوى السياسية تجاه كثير من القضايا التي تشكل جوهر الصراع في البلاد.

من جانبها وصفت حركة جيش تحرير السودان (عبدالواحد) لقائها مع الآلية الثلاثية بالصراحة والشفافية، وقد عرف الطرفان موقف كل منهما حيال الوضع بالسودان والتسوية التي يجري الإعداد والترتيب لها.

وأعلنت الحركة، في بيان صحافي، أن “قيادات الآلية تحدثوا عن ضرورة تحقيق سلام شامل بالسودان وقدموا تعريفاً بمهماتهم ولوثيقة التسوية الجارية في الخرطوم، وكان يحدوهم الأمل في أن تكون الحركة جزءاً من هذا العمل”.

وأكد البيان أن “الحركة شرحت للآلية رؤيتها حول تحقيق السلام الشامل العادل والمستدام الذي يخاطب جذور الأزمة التاريخية بالسودان، ويقود إلى تغيير جذري يبدأ بتوفير الأمن ووقف قتل المدنيين العزل، ويعمل على طرد المستوطنين الجدد من الحواكير التي استولوا عليها بقوة السلاح، وإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، وتعويضهم فردياً وجماعياً”.

ترى الحركة وفق البيان، بأن “حل الأزمة الوطنية لا يتم عبر التسويات الصفوية والاتفاقات الثنائية التي سبق أن ثبت فشلها بالتجربة العملية، لكنه يبدأ بإسقاط الانقلاب أولاً وتشكيل حكومة انتقالية مدنية من مستقلين، ثم الشروع في إجراء حوار (سوداني – سوداني) يخاطب جذور الأزمات الوطنية ويضع الأساس الصحيح للتحول المدني الديمقراطي عبر التواضع على برنامج ومشروع وطني متوافق عليه من الجميع”.

في المنحى نفسه، كشف مصدر بالحرية والتغيير لـ”اندبندنت عربية”، رفض ذكر اسمه، عن أن “اتصالات عاجلة ستتم مع حركتي العدل والمساواة برئاسة وزير المالية جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي حاكم إقليم دارفور، سواء بواسطة المسهلين في الآلية الثلاثية والتحالف باعتبارهما شركاء في العملية السلمية الناجمة عن اتفاق سلام جوبا”، لافتاً إلى أن “الكتلة الديمقراطية حديثة التكوين التي تضمهما، باتت قريبة من التوقيع على الاتفاق الإطاري”.

وأضاف المصدر أن “حركات السلام تعتبر مستفيداً رئيساً من الاتفاق الإطاري الذي سيسهم في دفع عجلة إقرار السلام، الذي سيسمح باستئناف العون والدعم الدولي الذي تحتاج إليه خطوات تنفيذ الاتفاق بخاصة ما يلي الترتيبات الأمنية وعودة النازحين واللاجئين ومشاريع إعادة الإعمار في كل من دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، بعد الانتكاسة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها البلاد بسبب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي خلق قطيعة مع المجتمع الدولي أعاقت مسيرة تنفيذ اتفاق سلام جوبا”.

واعتبر المصدر أن “تواصل الآلية الثلاثية مع الحركات غير الموقعة على اتفاق جوبا يخلق أرضية مناسبة لاستتباعه بتحركات سياسية من قبل التحالف لإحياء المشاورات معها على خلفية الوضع ما قبل الانقلاب ومساع الحكومة الانتقالية السابقة لاستكمال ملف السلام كأحد أهم شعارات وأهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول)”.

تشاور أوسع

في السياق نفسه اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي علي الأمين محمود، أن “الاتفاق الإطاري في هذه المرحلة الأولى الذي هو إعلان سياسي تناول عموميات ومبادئ مرحلة الانتقال، ومصمم بالأساس من أجل جولات تشاور أوسع لاحقة لاستيعاب الآخرين بمن فيهم قياديو تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان”.

يضيف “يمكن القول إن الاتفاق السياسي الإطاري يؤكد القضية المركزية المتمثلة في مسألتي مدنية الدولة والديمقراطية، وهو بذلك يصلح كأساس ليجمع كل السودانيين في حوار وطني حول القضايا الأكثر تعقيداً مثار الخلاف الحافلة بالتفاصيل وعلى رأسها قضايا السلام والعدالة والإصلاح الأمني وتفكيك دولة الـ30 من يونيو (حزيران) 1989 المعروفة بفترة نظام الإنقاذ التي حكم فيها المخلوع البشير السودان”.

لفت الأكاديمي إلى أن “المسائل المعلقة ضمن متطلبات الانتقال تمثل أمهات القضايا أرجئت لحوار أشمل لاحق لخلق أوسع أرضية سياسية حولها، بالتالي فلن يضر حركتي عبدالواحد محمد نور أو عبدالعزيز الحلو التوقيع على الاتفاق الإطاري كونه مفتوحاً لكل القوى السياسية السودانية حتى بعد تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية والحكومة المدنية، بالتشاور وموافقة الأطراف الموقعة عليه”.

يتابع محمود “إذا كان جوهر ما يدعو إليه عبدالواحد محمد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان قيام مؤتمر لحوار سوداني شامل، فيظل ممكن التنفيذ في ظل الحكم المدني الملتزم بمناقشة كل قضايا الانتقال المصيرية المرتبطة بتحديد طبيعة وشكل الدولة السودانية ودستورها الذي يجب أن تبنى عليه”.

الشرق يتشدد

من جهته لم يبد الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارت البجا سيد على أبو آمنة في حديث خاص، أي تفاؤل في أن يقود الاتفاق السياسي الإطاري إلى معالجة مسار الشرق وقضيته من خلال المراجعة المشار إليها لاتفاق جوبا لسلام السودان”، مؤكداً رفضهم من حيث المبدأ لأن يتوافق بعضهم على حكم البلاد من دون أصحاب المصلحة في إقليم البجا، ثم بعد أن يحكموا يجلسوا ليحلوا مشكلته، معتبراً أي اتفاق لا يكونوا جزءاً منه لا يعنينهم، بل يمثل امتداداً لفكرة الدولة المركزية.

يسأل أبو آمنة، الذي هو أيضاً رئيس اللجنة العليا لتقرير مصير شرق السودان، “لماذا لا نضع معهم الاتفاق الإطاري نفسه كسودانيين في إطار التوافق الشامل؟”. ويجدد التمسك بقرارات مؤتمر سنكات بوصفها تضمن الحقوق العادلة لهم وكذلك حق تقرير المصير، مؤكداً عدم قبولهم بأي اتفاق لا يشمل مجلس البجا وقرارات مؤتمر سنكات.

يشدد أبو آمنة، “فيما عدا ذلك فسوف نقاوم أي اتفاق إقصائي كهذا، وسوف ننزع إلى الاستقلال ولو أجبرنا على الحرب، ويكفي أننا بقينا في الظلم منذ الاستقلال في 1956”.

مؤشرات نجاح الاتفاق الإطاري

على صعيد متصل أوضح المحلل السياسي المتخصص في شؤون حركات السلام محمد موسى بادي، أن المنعطفات العديدة التي مرت بها عملية السلام أثرت سلباً في الجوانب التنفيذية فيها، لاسيما في ظل عدم وجود الدعم الكافي لتمويل برامج ومطلوبات واستحقاقات اتفاق السلام، إلى جانب العوامل الأخرى التي أثرت في استقرار المسرح السياسي وأبرزها إجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

يؤكد بادي، أن توسيع مظلة السلام أمر إيجابي يثبت الأمن والاستقرار وينهي كل أشكال الصراع المسلح كما يعزز فرص السلام الحقيقي الذي يفضي للتحول الديمقراطي السلمي المستدام، إلى جانب إتاحة فرصة لمناقشة هادفة لفرض معالجات في ملف السلام، لا سيما قضية شرق السودان وبعض المسارات الأخرى، لذلك وفق بادي فإن الاهتمام بهذا الجانب يمثل أحد مؤشرات نجاح الاتفاق السياسي الإطاري الذي تم توقيعه.

وكان نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) دعا عشية التوقيع على الاتفاق الإطاري الأحد الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) الرافض للاتفاق ويضم ضمن مجموعة أخرى من القوى السياسية، كلاً من رئيس حركة جيش تحرير السودان مني اركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم إلى ضرورة التواصل بين الكتلة والمجلس المركزي وبقية الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، مشدداً على أنه لا تراجع عن السلام واستكماله.

ووقع المكون العسكري والقادة المدنيون في عدة كيانات سياسية أبرزها تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) أمس الإثنين، اتفاقاً سياسياً إطارياً يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالسودان منذ انقلاب قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان على السلطة المدنية الانتقالية التي تشكلت بموجب شراكة بين العسكريين والمدنيين عقب إطاحة نظام الرئيس عمر البشير في 2019، مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية ضده والمستمرة لأكثر من عام، كما تسبب الانقلاب في وقف إجراءات إعفاء السودان من ديون تقارب 60 مليار دولار، ووقف تدفق أكثر من أربعة مليارات دولار من المساعدات المالية الدولية.

إندبندنت عربية

Exit mobile version