كان بيتنا مساء أمس منظما ومرتبا، ومع هذا بدا قبيحا، وكان الهدوء يعم أرجاءه، ولكنه كان هدوءا مزعجا وثقيلا على النفس، سافر الحفيدان طارق وزياد مع والديهما، واختفت من بيتنا العربات الصغيرة وفتافيت الطعام ومكعبات البناء البلاستيكية وأقلام التلوين المتناثرة، واستعاد البيت النظام والنظافة ولكنه صار “ثقيلا” على النفس، كأنما حمل طارق وزياد معهما كل ما هو بهيج في بيتنا وسافروا به، وتركوني أنا وأم الجعافر نحملق في السقف كأنما نحن في انتظار ان ينزلا منه عبر البراشوت ليمتلئ البيت ضحكا وصخبا
سافرا وسافرت معهما بقايا طفولتي التي لا يفجرها الا هما، ففي حضورهما استرد براءتي، وأصبح فنانا ابتكر الألعاب والحيل وأصرخ وأضحك وأنط واتشقلب، عندما احتضن واحدا منهما أحس بأنه يسدي الى معروفا لأنني من يحتاج الى حضنه، وأنظر اليهما وأرى المستقبل والأمل والفرح والمرح، لا يحملان هم أي شيء، فالطفل لا يحقد ولا يحسد لأن قلبه يخلو من العلل، ويجعلك لو كنت سويا تتمنى لو لم تكبر أبدا كي لا تعرف الكره والنفاق والغل
كان طارق وزياد معنا في الدوحة في ابريل الماضي حيث خضعا للختان، وأقمنا لهما حفلا عائليا بلديا، وتم ختانهما في مستشفى تحت التخدير الكامل، ورأيتهما يلعبان في اليوم التالي فقلت: اللهم لا حسد، وتذكرت ختان ولدي لؤي أيضا في الدوحة، عندما وجد نفسه محاصرا بالأحباب وحوله هدايا جميلة فصاح: طهروني تاني!! وتذكرت ختاني على يد عمنا محمد شرفا، مما ألزمني السرير لنحو أسبوعين، ولن أنسى تلك القعدة الرهيبة و”شرفا” يخرج شفرة حادة من كيس، وحوله نفر يعصرون ورق اللوبيا ويستخرجون منه سائلا أخضر يتم استخدامه لوقف النزف، وحولي نساء قليلات حياء يثرثرن وبعضهن يصيح: طيارق قونج (انظر الى الطيارة) وكنت أعرف ان تلك حيلة للغدر بي أي أغفل عندما يتم الختان، ثم وجدت نفسي اصرخ واااااااااا، ولاحقا سألت أمي: لماذا كانت النساء يصدرن نفس تلك الصرخات التي يصدرنها عند وقوع الكوارث “وي بيووو” فقالت لي: قول بسم الله كن يزغردن وانت من فرط الخوف حسبتهن “يسكلبن”
بحمد الله وصلتني رسالة بأنهم وصلوا الى بيتهم في الرياض سالمين، وسأحاول، والساعة الآن الثانية والنصف بعد منتصف الليل أن أنام، فإلى لقاء قريب بإذن الله يا طارق وزياد، لتنعما بالدلع وشراب الشاي مع القرع، عملا بما جاء في مقال جدو قبل يومين
جعفر عباس