(1)
الاستلاب هو أن تصبح شخصاً آخر.. منسلخاً عن ذاتك.. خاضعاً لتأثير الآخر.. بعيداً ونائياً عن ثقافتك المحلية.. مُخلصاً باستماتة لثقافة غريبة وافدة.. فالنخبة المُستلبة في أي مجتمع هي العقبة الرئيسية التي تعيق حركات الخلق والتغيير.. قبل انفصال الجنوب وبعده، نحن لسنا عرباً ولسنا أفارقة، نحن سودانيون.. وفخرنا الحقيقي ينبغي أن ينصب على برزخيتنا الجغرافية وخلاسيتنا الإثنية، تلك الهوية الخلاسية هي – وحدها – مبعث تفردنا، وهي طريقنا إلى المجد..!
(2)
الدفوع التي تنفي التمييز المهني ضد النساء في السودان تستند في مُجملها على شواهد نوعية، مثل تقلد المرأة السودانية للمناصب المهمة كالوزارات ورئاسة اللجان والإدارات، بل والمؤتمرات.. لكن – ولكن أداة استدراكية تفيد استدراك المعنى الأول بمعنى نقيض له – تبقى حكاية التميُّز ضد المرأة أعمق وأعمّ من تلك الشواهد النوعية.. يصعب تصنيف التمييز ضد المرأة في مجالات العمل العام تصنيفاً قانونياً واضحاً يتجلى في قرارات إدارية صريحة.. بل هو سلوك ذكوري.. زئبقي.. يأخذ من حقوق المرأة الكثير دُون أن يؤخذ عليه أي دليل ينتهك القوانين.. مسرح هذا النوع من التمييز هو أجواء ومناخ أروقة العمل العام.. ملاعب الندية الأكاديمية والمهنية بساحات العمل العام – في سودان البخاتة – بحاجة إلى ثورة فكرية تؤنسن إنتاج المرأة، وتعيد صياغة وجودها العملي بعيداً عن تعريف الأنوثة..!
(3)
تاريخ العالم الذي اختزله “كارل ماركس” في رحلة بحث الإنسان عن الطعام أعاد نفسه مع أزمة الاقتصاد العالمي، فقبل عشرات السنين كشفت أزمة الكساد الكبرى عن عجز سياسة إطلاق حرية الاقتصاد.. حينئذٍ علت الأصوات المُطالبة بتدخُّل الدولة، وحقق استخدام الدول الغربية لسياسة الإدارة الاقتصادية ازدهاراً في فترة الستينيات والسبعينيات.. هيمنت سياسة القطب الواحد على العالم بعد انهيار الشيوعية، وتسبّبت في ردة الفكر الاقتصادي (عودة إلى تقليص رقابة الدولة وخصخصة المشاريع العامة.. مع توسيع هامش حرية المشاريع الخاصّة).. ثم عادت المعضلة الاقتصادية في ثوب أزمة الرهن العقاري التي عاد معها دور الدولة، وثبتت شرعية التدخل الحكومي، وأهمية رقابة الدولة، وضرورة تحجيم حرية المشاريع الخاصة.. وهكذا عاد الاقتصاد العالمي إلى حلول المدرسة (الكينزية) التي أسهمت في إنقاذه قبل بضع وسبعين عاما..!
(4)
الثورة – مطلق الثورة – وبزاوية مائلة عن تعريفات المعاجم النمطية، هي عملية إحلال وإبدال سياسي.. ثمرة جهود إنسانية حثيثة لتغيير حال معينة، يرى الثوار – والعُهدة على الثائرين – أنها من الظلم بحيث تستوجب الخروج عليها.. أما بزاوية نظر حادة، فالثوار في نهاية الأمر، هم فئة باغية على وجه ما.. بغت وتمردت على حكم الحاكمين قبل أن تحل محلهم.. أما البطولات السياسية فهي “خشم بيوت”.. أحياناً فكل ما تحتاجه للتفريق بين العمالة والنضال الوطني هو استبدال بطاقتك الوطنية بعضوية أي كيان سياسي، ومن ثم استبدال أطماعك المادية الفجّة، بأطماع السلطة، المتسربلة ببعض الشعارات الديمقراطية.. حينها وعوضاً عن ذهابك منكس الرأس إلى حبل المشنقة كجاسوس.. سوف ترفع رأسك، من منفاك الاختياري مجاهراً بتعاونك مع الآخر.. وعوضاً عن الموت بمذلة – على طريقة أعداء الوطن – سوف تكتب عن تمردك الذكي، فصلاً كاملاً في مذكراتك السياسية..!
صحيفة الصيحة