بحسب اعتقاد البعض فإنَّ وثيقة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين أضحت مثار شكوك وسط القوى المدنية، جراء الجدل الدائر حول من صاغوها، بجانب أنها في نظر الكثيرين تعبر عن حالة النزاع بين المكون المدني والعسكري بأكثر مما يراد له أن تكون معبرة عن الدستور بالبلاد. وفي خضم هذه التحفظات فإن بعض القوى السياسية مضت بعقيرتها إلى الإشارة أن الوثيقة تعمل على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال إعادة إنتاج النظام البائد بشخصيات ومكونات سياسية جديدة، خصوصاً بعد أن تجاوزت هذه الوثيقة قوى الثورة الحية الداعمة للانتقال الديمقراطي، بحيث أن هذه القوى الفاعلة التي شاركت في التغيير وصنعت الثورة لا يمكن أن يكتب لها دستور لتبصم عليه.
خارطة طريق
وعطفاً على طرح تسييرية المحاميين لباكورة إنتاجها والمتمثل في الوثيقة تبقى هنالك العديد من التساؤلات والشكوك حاضرة في المشهد، حول ماهي الجهات الحقيقية الخفية التي قامت بطرح هذه الوثيقة لتكون نموذجاً للحل، ولماذا تم اختيار هذه الوثيقة بالتحديد لتكون بمثابة خارطة طريق لحل الأزمة دون بقية الوثائق والمبادرات التي طرحت لحل الأزمة، بجانب هل أن هذه الوثيقة تعبر عن أحزاب الهبوط الناعم والمتمثلة في أحزاب قحت المجلس المركزي ..؟ ..بجانب لماذا قامت جماعات إسلامية كاتحاد الأئمة والدعاة بتكفيرها بعد أن وصفوها بالوثيقة الكافرة ..؟
حدوث اختراق
وفي سياق ذلك حيث يمضي مراقبون إلى الإشارة إلى إمكانية مساهمة الوثيقة في إحداث الاختراق المطلوب في العملية السياسية، خصوصاً بعد انخراط قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي في لقاءات مكثفة مع القوى السياسية للتشاور حول الاتفاق الإطاري المزمع توقيعه مع قادة الجيش، بغية تحصينه بإجماع سياسي. ومن هنا تجدر الإشارة إلى التحديات والعقبات التي من شأنها أن تكون بمثابة فرملة اليد في سياق إحراز أي تقدم دون أن تشمل الوثيقة الرافضين والممانعين لها .
موقف سالب
ويمضي في ذات الاتجاه الناطق باسم قوى الحرية والتغيير شهاب إبراهيم إلى التأكيد أن القوى السياسية والجهات التي تحاول تجاوز محتوى الوثيقة، بأن مواقفها السياسية بالنسبة لهم أضحت واضحة من الحل السياسي، مبيناً بأن محاولات الانتقادات التي وجهت من قبل هذه القوى على الوثيقة تشير بوضوح، إلى الذرائع التي ظل يستخدمها أعداء الحل السياسي، مشيراً بأن المستفيدين من استمرار الانقلاب لا يرغبون بالحل السياسي الذي عبرت عنه الوثيقة. وتنبأ إبراهيم لـ(الحراك) بقيام هذه القوى الممانعة بالتصعيد. وأضاف سنرى تصعيداً أكثر ضد الوثيقة كلما اقتربنا من الحل، جازماً بأن الوثيقة استطاعت أن ترسم ملامح واضحة لمسار التحول المدني، وإنهاء الانقلاب وإسقاطه، مشدداً بأن أي مجموعات وأشخاص لديهم مصالح مرتبطة بالانقلاب سيكون موقفهم سالباً من الدستور.
قوى الرصيف
ومع اقتراب الوثيقة من إحداث التحول المطلوب من خلال إعادة رسم الخارطة السياسية عبر خطوط كنتور وتقاطعات سياسية جديدة، ربما قد تدفع بقوى سياسية كانت تشاطر النظام البائد الحكم إلى العودة إلى كابينة السلطة مرة أخرى، لمجرد أنها قامت بمهر توقيعها على الوثيقة وبصمت عليها دون بقية قوى الثورة الفاعلة والتي أضحت في الرصيف تراقب المشهد عن كثب ..ومن هذه الزوايا يبرز السؤال التالي، وهو هل هذه الوثيقة المغضوب عليها من قوى الثورة من مهنيين ولجان مقاومة والشيوعي، تمثل البوابة الآمنة لدخول النظام البائد ومن شايعهم تحت أشكال ومسميات جديدة …؟
الحل في الشارع
وفي غضون ذلك أشار عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي كمال كرار بأن وثيقة المحامين لقيطة، وتعبر عن المحامين المنضويين تحت أحزاب الهبوط الناعم، مشيراً إلى أن الوثيقة صممت لأجل أن تكون بمثابة حصان طروادة لأجل قطع الطريق أمام الثورة، من خلال إعادة إنتاج النظام البائد والفلول تحت مسميات مختلفة وأسماء جديدة. ولفت كرار في حديثه لـ(الحراك) إلى أن حل الأزمة السياسية، يكمن في الشارع وليس وثيقة المحامين اللقيطة.
مسكنات الأزمة
وبحسب محللين سياسيين فإنَّ فرص إحداث الوثيقة لاختراقات مهمة في سياق إنهاء الأزمة السياسية ستكون هي الأكبر، في حال أن تمت عمليات إعادة النظر فيها لأجل العمل على تضييق هوة الخلافات حولها من قبل الرافضين لها، وبالتالي فإن التوافق حولها من القوى السياسية المختلفة يمثل كلمة السر والتي عبرها يمكن اختراق سر الليل خاصة العسكر.
وهذا ما رمى إليه المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية راشد التجاني بعد تلويحه إلى أن الانتقادات العديدة التي وجهت إلى وثيقة المحامين، تشير إلى عدم إمكانية صمود الوثيقة طويلاً أمام الناقمين عليها، إلى جانب أن تأثيراتها في الواقع السياسي جزم بأن الوثيقة بشكلها الحالي لن تستطيع حل الأزمة السودانية، خصوصاً في ظل وجود خلافات وتقاطعات حولها من قبل بعض الأطراف الرافضة لها، مشيراً إلى أن تجاوز الخلافات حولها يتطلب إعادة النظر في الوثيقة ذات نفسها حتى يحدث توافق عليها من قبل الجميع، لافتاً إلى ان أي خطوات تقارب سياسي تنفرج عنها مابين المدنيين والعسكر، إن لم يتم توافق حولها أولاً مابين المدنيين أنفسهم، فإن أي حلول ستنتج عنها ستكون ضعيفة وبمثابة مسكنات للأزمة ليس إلا.
تقرير ـ أيمن المدو
صحيفة الحراك السياسي