حين تعطسُ الأمم.. ان الابتعاد المحسوب الان هو تقدير
العقلاء ، وبعض الذين نأووا بأنفسهم عن حلبة الصراع والتنافس المنصوبة الان ، بلا شك يملكون عقلاً ووعي ، فهذا مناخ لا يقدٍّم قيادة .. ولامكان ثابت للوقوف عليه ، لأنه حالٌ كثيرة التبدّل ، ومعظم من فيه يرى الكثيرون أنهم جماعة من العابرين بلا أثر سوى سخامٌ سوّد صحائفهم في ذاكرة التاريخ والامة، إن ما تعيشه بلادنا هو فراغٌ عريض ..و هولاء هم ابناؤه ..فراغٌ يبدو وكأنه فقاعة متدحرجة في فضاء ، او طافية على وجه ماءٍ يحمل زبداً رابياً و سيمضي الى جُفاء .
إن العاقل من صان نفسه ونظر للمستقبل ، فهذا الفقاعة ستتبخرُ منفجرة حال اصطدامها بجسمٍ صُلب ، او إن غمرها الماء او حالما حملها الهواء ، وحينها ربما تنجح واحدة او اثنتان في الاستمرار لفترة او تتحولان الى نقطة ماء .
ان العقلاء يعلمون ان الدولة السودانية ليست استثناء ً فهي قد تأسست بعد استقلالها وربما قبله وفيها ميلٌ يحتاج لتقويم وقصورٌ يتطلب المعالجة ، ويعلمون ان الدول لها شخصية وطبيعة كالبشر ، تمر حسب أبن خلدون بمرحلة فتوة ثم كهولة فشيخوخةٌ فضعفٌ واضمحلال ، وهذه الارض ما زالت فتيّة ولديها مكامن القوة ، التي تحتاج لمحفِّزات كي تنطلق .ومهما طالت فيها فترات انعدام الوزن فهي ستستعيد توازنها ،، عكس الدول التي شاخت وتضمحل الان ولكنها تطمع ان تمتص من دماء هذا الشباب علّها تجد فيها أكسير الحياة ومصل الخلود .
إن سنة الله في الطبيعة .. في هذه الارض انها لا تقبل الفراغ !! رغم ان الكون خارجها يتسع فيه الفراغ !!
إن الذين يملكون القليل من بُعد النظر ، ينأؤون بأنفسهم ومستقبلهم عن التقدّم في هكذا مراحل ستشتدُ فيها الفوضى التي سيكون لها رد فعل عكسي مضاد لها في الاتجاه وينبغي ان يكون مجاوزاً لها في المقدار ، ستزدادُ فيها حالة اللاوزن وستكثر فيها فقاعات الفراغ وغبار الصراع ، والذي سيكون له ضحايا .. وهناك مثل سوداني يقول ” النملة كان ربنا اراد بهلاكها يقوم ليها ريش ” ..وكم نملةٍ عجلى تحلِّق بريشها في هذا المناخ غير السليم .. وما تحلِّق إلا لتهوي !!
إن استعادة التوازن والنظام في الكون وفي الامم والدول تسبقه هزّات يتفاوت عنفها وارتدادات يتفاوت مداها …وظلامٌ يشتد ..ثم يشتد وحين يصل ذروته تبدأ بشارات الفجر ، ان المخاض المؤلم الذي سيسبق الخروج من حالة الفراغ سيصنع قادة ورموز … غالبهم شباب .. رجال ونساء لا نعلمهم الان ولكنهم في كل تجارب الامم على مسار البشريّة ينبُتون في ظل المِحن ..تقدِّمهم الأقدار وتدفعهم الأحداث وتنضجهم التحديّات ، هذه سنة الله في الأمم لتجديد دمائها وكي تتنفس بعد أن تعطس بقوة !! فتقذف بالفقاعات والنمل ذو الريش الى العدم وظلال النسيان !! سنة الله حين تنعدم في الأمم والشعوب الرموز ويتراجع فيها الملأ وينقسم الناس…حينها تأتى الصدمات والهزّات والابتلاءات والمِحن لتغربل الناس وتفصل الشوائب لتُلقى بعيداً ، ولتخرج ملأً / نخبة أكثر قدرةً وحيوية ، وتعيد ترتيب ما خرّبته الفوضي أو تعيد البناء على أسس جديدة …
في حال بلادنا لا اعلم كيف ستخرج من هذه الحالة ولا كيف ستكون طبيعة الهزّة أو الصدمة التي ستتعرض لها ، وما ثمنها ومستوى ألمها ، وهل ستتعافى سريعاً ام تتأخر أمداً ، هل ستخرج موحدةً ام متشظيّة ، ، لكني اعلم انه ستكون لهذه البلاد في نهاية المطاف طال ام قصر الزمان ، نواةً صُلبة وقيادات ورموز جديدة ، وسيلحق بهم العقلاء والحكماء الذين آثروا الابتعاد في الوقت المناسب …
نسأل الله ان يحفظ السودان وأهله ويهوِّن عليه مخاض الميلاد الجديد من رحم الازمة ومن بين فرثٍ ودم عسى أن يجد اهله لبناً سائغاً يقيم أودهم ويروي عطشهم …
* سناء حمد