التسوية وكأس العالم
(1)
شعوب العالم في هذه الايام مشدوهة بمتابعة مباريات كأس العالم – حيث الاثارة والمتعة حاضرة – ليس على مستوى المباريات فقط ، وإنما على مستوى التنظيم ايضاً.
المنتخب القطري لن يفوز بكأس العالم وقد خرج المنتخب من البطولة من مرحلة المجموعات وهي المرحلة الاولى في البطولة وكانت قطر اول منتخب في البطولة يفقد فرصة التأهل للدور المقبل – مع ذلك اقول ان دولة قطر حققت ما هو اهم من (الكأس) بهذا التنظيم الرائع واللافت – لو كان (كأس العالم) يمنح بحسن التنظيم والإبداع فيه لاستحقت قطر هذا اللقب عن طريق (التنظيم) مقارنة مع الدول الاوروبية التى سبق لها ان نظمت بطولة كأس العالم في السنوات الماضية.
مع هذا الابداع الذي تقدمه لنا قطر ونشهده في نهائيات كأس العالم – الشعب السوداني يتابع بنفس اللهفة والترقب السباق بين المدنيين والعسكريين على السلطة – ونشهد ما يتم في ملف (التسوية) وهي تنخفض أحياناً وتكاد ان تنتهي وتنتفض وترتفع احياناً اخرى وتقترب من الوصول الى مرحلة التوقيع النهائي بين المكون العسكري وقوى اعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي).
ومثلما شهدت نهائيات كأس العالم الكثير من المفاجآت المثيرة وفاز المنتخب السعودي على المنتخب الالماني ليخسر المنتخب السعودي بعد ذلك من المنتخب البولندي وتنتصر اليابان على المانيا ثم تخسر اليابان من كوستاريكا.. وتفوز المغرب على بلجيكا – تحدث مفاجآت بمثل الدرجة والإثارة في المفاوضات بين المكون المدني والمكون العسكري.
في كرة القدم لا يوجد (مستحيل) وفي (التسوية) ايضاً – يمكن ان تحدث امور ليست في الحسبان.. توقعوا كل شيء.
(2)
مسكين الشعب السوداني فقد اسس السودان الاتحاد الافريقي لكرة القدم مع مصر وإثيوبيا ولعب السودان في اولمبياد ميونخ 1972 فسحر جكسا الجميع في تلك البطولة قبل ان يظهر سحر ماردونا وميسي ورونالدو ونيمار وامبابي ومحمد صلاح.
السودان بهذا التاريخ (الكروي) الكبير وهو الذي فاز بلقب الامم الافريقية في 1970 ليس له في كأس العالم التى تنظم نهائياتها قطر في هذه الايام غير (المشاهدة) عبر شاشات حميدتي – هذا نصيبنا في نهائيات كأس العالم.
اكتفينا بمشاركة قادة الاتحاد السوداني لكرة القدم معتصم جعفر وأسامة عطا المنان ومعتز الشاعر بالسيلفي في ملاعب قطر الرائعة… هم سعداء بذلك ويعتبرون نزولهم في فنادق 5 نجوم بالعاصمة القطرية انجازاً للسودان.
الشعب السوداني مزحوم بالصراع العسكري العسكري – لا اقول الصراع العسكري المدني لأن ما يحدث في الساحة الآن هو صراع بين العسكر يدخل المدنيون كطرف فيه لترجيح كفة على كفة في السباق العسكري العسكري. ظهور مولانا محمد عثمان الميرغني في الساحة يؤكد ذلك ، فقد عاد الميرغني ليكمل بيعة (الموز) الكبرى.
(3)
دولة قطر استطاعت في خلال 12 سنة ان تؤسس بنية تحتية – بل بنية فوقية مدهشة.
استضافت 8 استادات مباريات كأس العالم 2022، البعض منها جديد والبعض تم تطويره، وهي بالتحديد، استاد أحمد بن علي واستاد البيت واستاد الجنوب واستاد الثمامة واستاد المدينة التعليمية واستاد خليفة الدولي واستاد لوسيل وأخيراً استاد 974.
استطاعت قطر ان تعكس ثقافاتها والثقافة العربية والإسلامية من خلال استضافتها لنهائيات كأس العالم . استاد أحمد بن علي يعكس تصميمه الخارجي تموّجات الكثبان الرملية للصحراء. استاد (البيت) استوحي تصميمه وتسميته على شكل بيت الشعَر الذي كان يسكنه أهل البادية في قطر، حيث يأتي شكل هيكله الخارجي على هيئة خيمة مع تزيينها باللون الأبيض والخطوط السوداء. تصميم ملعب (الجنوب) جاء على شكل المراكب التقليدية القطرية من أجل الاحتفاء بتاريخ الوكرة العريق كمركز للصيد. استاد (الثمامة) ويحاكي تصميمه الدائري شكل (القحفية)، وهي القبعة التقليدية التي يرتديها الرجال والأطفال في جميع أنحاء الوطن العربي. استاد (المدينة التعليمية) وتم تصميمه على شكل ماسة صحراوية تشع ضوءًا بحسب حركة الشمس، للافتخار بمكانة قطر العلمية بين العرب. استاد (لوسيل) وجاء تصميمه بشكل رائع، حيث إنه استوحي تصميمه من تداخل الضوء والظل الذي يميّز الفنار العربي التقليدي أو الفانوس. استاد (974) وهو أول ملعب يتم تشييده بالكامل من حاويات الشحن، حيث تعمل قطر على تفكيك هذا الملعب بالكامل بعد انتهاء كأس العالم 2022 وإعادة استخدام هذه الحاويات من أجل إنشاء مرافق تطل على الواجهة المائية
قيمة ملاعب مونديال دولة قطر 2022 المالية، تصل نحو 7 مليارات دولار.
هذه الملاعب الحقت بها مدن بكامل مقوماتها ومرفقاتها من طرق وفنادق ومستشفيات ومسارح ونواد وأسواق ومناطق سياحية – حتى (الطقس) والبيئة الملائمة لكرة القدم صنعوها في تلك الملاعب من اجل نجاح قطر في تنظيم بطولة كأس العالم.
قطر انشأت (8) ملاعب بعضها جديد وبعضها تم تطويره في خلال (10) اعوام بهذه الميزانية الضخمة في الوقت الذي نفشل في السودان في افتتاح ملعب المدينة الرياضية الذي بدأ العمل فيه سنة 1990 أي قبل ثلاثين عاماً.
لم تنهب اموال مشروع ملعب المدينة الرياضية وحدها وإنما نهبت حتى الارضية حيث تعدى النظام البائد واستولى على ثلث مساحة المشروع.
ملاعب قطر تضج بهذه الحياة وتشع بتلك الثقافة العربية الخالدة وملعب استاد الخرطوم الذي نظمت فيه اول بطولة للأمم الافريقية في 1957م دورات المياه فيه تفتقد للمياه والإضاءة وأرضيته لا تصلح لمصارعة الثيران.
هذا هو السودان يا حسرتي عليه لا يوجد فيه غير ملعب واحد مجاز من قبل الاتحاد الافريقي لاستقبال المباريات الدولية، في قطر لا يصلح لنشاط الروابط في الوقت الذي تشرق فيه ملاعب قطر بكل الجمال ويقدم من خلالها ثقافاتهم وتقاليدهم العربية التليدة.
دعكم من الملاعب التى ينظر اليها البعض على انها امور للترف لا يستحق الصرف عليها – وانظروا الى الطرق الرئيسية في الخرطوم وهي تتحول الى (برك) في الخريف والى مكب للنفايات في الصيف – اما في الشتاء فهي مناطق تشتعل بالصراعات والنهب والسلب والخطف.
المستشفيات الحكومية في الخرطوم تعافها الكلاب والقطط والعالم من حولنا يتطور ويتقدم والسلطات السودانية تكتفي بالعرض وشاشات المشاهدة من الخارج.
هنالك ملاعب في قطر تم انشاؤها وبناؤها بملايين الدولارات من اجل ان يلعب عليها (7) او (8) مباريات في نهائيات كأس العالم وسوف يتم تفكيكها بعد ذلك مثل استاد 974 وهو احد من أبرز الاستادات التي تم بناؤها في الآونة الأخيرة بشكل مميز نظرًا لما يتمتع به من أدوات البناء، حيث تم العمل على تشييده في 2017 وتم افتتاحه في عام 2021 ويتسع لـ 40 ألف متفرج بمنطقة رأس أبو عبود بالدوحة ويعتبر استاد 974 هو أول ملعب يتم تشييده بالكامل من حاويات الشحن، حيث تعمل قطر على تفكيك هذا الملعب بالكامل بعد انتهاء كأس العالم 2022.
صرفوا على ملعب لاستضافة (8) مباريات مبالغ طائلة واستاد مثل استاد الخرطوم الذي يحتضن كل انشطة العاصمة في كرة القدم منذ استقلال السودان وحتى وقتنا هذا وهو الملعب الرئيسي للعاصمة لا تتكرم عليه الحكومة بميزانية طلاء خارجي… لقد عجزوا حتى عن سداد فاتورة انارته.
كيف نتقدم؟
كيف تحدث الطفرة ؟ وأقدم ملاعب السودان – استاد عطبرة يعاني من العوز في تجديد شبكات المرمى التى تسببت في ثورة الجماهير بسبب عدم احتساب احد (الاهداف) الصحيحة لأن الشباك تالفة والكرة تمر من خلالها الى الخارج.
(4)
بغم
هذا الوطن يحتاج لليلة قدر يستجاب فيها دعاء الشعب .. او حكومة راشدة.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
محمد عبد الماجد
صحيفة الانتباهة